الواقع منه عليه أشدّ ؛ وكلّما كان أضعف كانا أضعف.
والطريق إلى إثباته هو التأمّل في أحوال النفس الناطقة ؛ فإنّا نرى ونشاهد أنّه كلّما ازداد تجرّدها ونوريتها بتخلّيها عن الرذائل الجسمانية والهواجس النفسانية وتحلّيها / A ١٧٣ / بالفضائل العلمية والعملية يصير استعدادها بمشاهدة (١) ما فوقها من العوالي بالعلم الحضوري ؛ وفيضان (٢) الإشراقات العقلية والأنوار المعنوية منها عليها أكثر ؛ فإذا كانت النفس مع قصور تجرّدها قابلة لمشاهدة ما فوقه وإشراقه عليها بالأشعّة العقلية فما ظنّك بالأنوار الصّرفة والعقول المحضة ومشاهدة بعضها لبعض ووقوع الأشعّة العقلية من بعضها على بعض؟!
الرابعة : لكلّ نور عال قهر بالنسبة إلى النور السافل وللسافل محبّة بالنسبة إليه ؛ إذ العالي علّة والسافل معلوله ؛ والعلّية يلزمها القهر ، و (٣) المعلولية يلزمها المحبّة والذلّة ؛ فالنور السافل من حيث المرتبة لا يحيط بالعالي ؛ لأنّ العالي لشدّة نوريته يقهر السافل ولكنّ مقهوريته لا تمنعه من أن يشاهده العالي ، لما تقدّم من أنّ خواصّ النور المجرّد مشاهدة جميع الأنوار المجرّدة لعدم الحجاب بينها وإن لم يتمكّن من الإحاطة به ، كما أنّ النور البصري يشاهد الشمس ولا يمكن لضعفه عن الإحاطة بها لشدّة نوريتها وكذا النور العرضي يحيط الأشدّ منه بالأضعف ويغلب عليه حتّى ربّما يتوهّم عدمه. (٤)
ألا ترى أنّ نور الشمس والأنوار إذا تكثّرت والعالي (٥) قهر على السافل والسافل عشق وشوق إلى العالي ؛ فنور الأنوار له قهر بالنسبة إلى ما سواه من الأنوار وغيرها من الموجودات لشدّة نوريتها وقوّة إشراقه العقلي الغير المتناهي ؛ لأنّه لا يقف عند حدّ يتصوّر بالعقول ، بل هو فوق ما يتناهى بما لا يتناهى وتعشق
__________________
(١). س : بالمشاهدة.
(٢). س : لفيضان.
(٣). س : + العلية و.
(٤). انظر : مجموعه مصنّفات شيخ اشراق (حكمة الإشراق) ، ج ٢ ، صص ١٣٨ ـ ١٣٧.
(٥). س : المعالي.