الأنوار المجرّدة وبين نور الأنوار استنارت بنوره ؛ وكما أنّ إشراق الشمس على العين مثلا غير مشاهدتها لها فكذلك إشراق نور الأنوار على الأنوار المجرّدة غير مشاهدتها له كما تقدّم ؛ ويسمّى النور الحاصل في الأنوار المجرّدة من نور الأنوار في عرف الإشراقيّين بالنور السانح وقد يستعمل في مطلق إشراقات الأنوار بعضها على بعض من غير تخصّصه بالنور الشارق من نور الأنوار وهو نور عارض للأنوار المجرّدة غير داخل في حقيقتها ؛ والنور العارض ينقسم إلى ما يكون في الأجسام وإلى ما يكون في الأنوار المجرّدة ؛ فإنّ النور العارض مفتقر إلى ما يقبله ويقوم به من الجواهر القائمة بأنفسها ـ عقلية كانت أو حسّية (١) ـ وقد تقدّم منّا بيان أوضح في حقيقة النور السانح. (٢)
وإذ عرفت هذه / A ١٧٤ / المقدّمات فاعلم أنّ ذوق الإشراق في صدور الكثرة أنّ أوّل ما يجب بالأوّل تعالى ويصدر عنه جوهر قدسي ونور إبداعي لا يمكن أشرف منه ، لما تقدّم من قاعدة الإمكان الأشرف ؛ فإنّ مقتضى تلك القاعدة أنّ ذات الحقّ لا يفيض الأخسّ ويترك الأشرف الممكن ، بل يلزم ذاته الأشرف فالأشرف ، كما أنّ عكس النور الأشرف من عكس عكسه وهكذا إلى أن ينتهي إلى ما لا عكس له ؛ وهذا النور الأوّل الإبداعي منتهى الممكنات في سلسلة العلّية وليس ورائه إلّا نور الأنوار وهو ـ كما مرّ ـ واجب غنيّ بالأوّل تعالى وممكن مفتقر في نفسه. فبالنظر إلى وجوبه واستغنائه بالأوّل تعالى ومشاهدة جلاله وكبريائه يقتضي جوهرا قدسيا آخر هو النور الثاني بلسان الإشراق والعقل (٣) الثاني في عرف المشّائين ؛ وبالنظر إلى إمكانه وفقره في نفسه ومشاهدة نقص ذاته وقصوره بالنسبة إلى كبرياء الأوّل يقتضي جرما سماويا هو الفلك الأعلى.
__________________
(١). س : جسميه.
(٢). انظر : مجموعه مصنّفات شيخ اشراق (حكمة الإشراق) ، ج ٢ ، صص ١٣٨ ـ ١٣٧.
(٣). س : فالعقل.