فيحصل الانفكاك بين المشاهدة ووقوع الشعاع في الأنوار الحسّية (١) والعقلية ؛ وأمّا عدم الحجاب بين النور العقلي وغيره إنّما يكون بتجرّدهما عن شوائب المادّية ؛ ومجرّد تجرّد أحدهما يوجب ارتفاع الحجاب من أحد الجانبين دون الآخر مع أنّ عدم الحجاب المعتبر والمشاهدة ووقوع الشعاع هو عدمه من الجانبين ؛ وهذا يتحقّق في الأنوار الحسّية بمجرّد عدم الحائل ـ كما ذكر ـ وأمّا في الأنوار العقلية فلا يتحقّق إلّا بتجرّد الطرفين ونوريتهما وبراءتهما عن شوائب المادّية ؛ وتجرّدهما كما يوجب عدم الحجاب بينهما يوجب مشاهدة كلّ منهما للآخر أيضا. فالتجرّد والنورية فيهما يستلزم كلّا من المشاهدة ووقوع الشعاع. فهما متلازمان فيها لا يمكن انفكاك أحدهما عن الآخر بخلاف الأنوار الحسّية ؛ فإنّ انفكاك الثاني فيها عن الأوّل ممكن لما ذكر ؛ فلا يناسب أن يستدلّ بمغايرتهما في إحداهما على مغايرتهما في الاخرى.
والأولى أن يستدلّ على مغايرتهما في الأنوار العقلية بمغايرة المنشأ ؛ فإنّ منشأ وقوع الشعاع ومخرجه في النورين العالي والسافل هو العالي ومنشأ المشاهدة ومحلّ حصوله هو السافل ؛ ومع تغاير المصدرين لا ريب في تغاير الصادرين عنهما.
فإن قيل : مشاهدة بعض الأنوار المجرّدة لبعضها بالعلم الحضوري ممّا يعرف معناه ووجهه ولكنّ المراد من الشعاع الواقع من بعضها على بعض ممّا لا نفهمه ولا طريق لنا إلى إثباته (٢).
قلنا : المراد به إشراق عقلي ونور معنوي يفاض من العوالي على السوافل تحدث فيها بهجة وغبطة ؛ وهو كمشاهدة السوافل للعوالي فرع ارتفاع الحجاب الذي هو المادّية ؛ فكلّما كان تجرّد السافل أشدّ كان مشاهدته للعالي والشعاع
__________________
(١). س : حسيه.
(٢). س : انباته.