القابل واستعداده لقبول ذلك وعشقه إليه وعدم الحجاب ؛ فهاهنا جهات كثيرة وهي القوابل المتعدّدة واستعداداتها وعشقها وعدم الحجاب الذي هو شرط إشراق العالي على السافل ؛ والشيء الواحد يجوز أن تحصل منه أشياء متعدّدة لتعدّد أحوال القوابل واختلافها.
الثالثة : مشاهدة أحد النورين للآخر غير إشراق شعاع ذلك الآخر على النور المشاهد.
واستدلّ صاحب الإشراق على المغايرة بأنّ العين يشاهد الشمس مثلا والشمس يقع شعاعها على العين وظاهر أنّ وقوع شعاع الشمس على العين غير مشاهدة العين لها ؛ إذ شعاع الشمس يقع على العين حيث كانت العين ومشاهدتها للشمس لا يكون إلّا بمسامتته (١) للبصر على مسافة بعيدة ؛ فلو فرض قرب مفرط للعين بالنسبة إلى الشمس يقع عليها شعاعها ولا تحصل مشاهدتها لها. (٢)
ولا يخفى أنّ الاستدلال على المغايرة بين المشاهدة ووقوع الشعاع في الأنوار العقلية بتغايرهما في الأنوار الحسّية لا يخلو عن شيء ؛ إذ شعاع النيّر الحسّي كالشمس يقع على ما يراها وما لا يراها. فالمغايرة بينهما في الأنوار الحسّية (٣) ظاهر وليس الأمر كذلك في الأنوار العقلية ؛ إذ شعاع النور العقلي لا يقع إلّا على نور عقلي يشاهده ؛ فلا يقع شعاعه على المادّيات ، كما اعترفوا به.
والسرّ أنّ المشاهدة يتوقّف على عدم الحجاب بين الرائي والمرئي ونورية المدرك الرائي ؛ ووقوع الشعاع إنّما يتوقّف على مجرّد عدم الحجاب لا غير ؛ وظاهر أنّ عدم الحجاب بين النيّر / B ١٧٢ / الحسّي وغيره يحصل بمجرّد عدم حيلولة جسم آخر ؛ فيقع شعاعه على ذلك الغير وإن لم يكن نوريا من شأنه المشاهدة ؛
__________________
(١). س : بمسامته.
(٢). انظر : مجموعه مصنّفات شيخ اشراق (حكمة الإشراق) ، ج ٢ ، صص ١٣٥ ـ ١٣٤.
(٣). س : الحسى.