خاصّة لا يتعدّاها ؛ فإنّها بذاتها تعقل المعقولات وتدرك المتخيّلات والمتوهّمات والمحسوسات ؛ فإنّ المدرك لجميعها بالذات هو النفس وإن كانت القوى الجزئية من الخيال والوهم والحواسّ الظاهرة شروطا وآلات ومعدّات لإدراكها الأشياء المتخيّلة والمتوهّمة والمحسوسة واستعمالها لتلك الآلات مخصّصا لحدوث إدراكاتها.
ومن زعم «أنّ النفس يدرك المعقولات بذاتها وما سواها من المتخيّلات والمتوهّمات والمحسوسات بالآلات بمعنى أنّ المدرك لها بالذات هي الآلات دون النفس» فقد أخطأ ؛ إذ المستعمل لآلة جزئية في أمر جزئي لا بدّ أن يدركهما وإلّا لم تكن الآلة آلة ، بل حيوانا مبائنا منضمّا إلى غيره ؛ فيلزم أن يكون مثل البصر والسمع فينا حيوانا مباين الذات عنّا وصار بصورته ومادّته ونفسه وجسده عضوا من أعضائنا ؛ وفساده ممّا لا يخفى.
فظهر أنّ النفس مع وحدة (١) وجودها وهويّتها لها درجات ذاتية من حدّ العقل إلى حدّ الطبيعة والحسّ ؛ فلها مقام في عالم العقل ومقام في عالم المثال ومقام في عالم الحسّ والطبيعة ؛ وكلّ واحد من هذه المقامات له درجات ومراتب متفاوتة شدّة وضعفا وكمالا ونقصا ؛ فإذا كانت النفس حالها كذلك مع بعدها عن أوّل الأنوار ومنبع الجود وغاية هبوطها ونزولها عن افق العزّة وسماء الوجود ؛ فما ظنّك بالعقول القادسة التي هي في غاية القرب إلى النور المحض وصرف الوجود ؛ فلكلّ منها وحدة جمعية تنطوي فيها حدود ومراتب غير متناهية فرضية موجودة بوجود واحد إجمالي أعلاها متّصل بأدنى مراتب سابقة وأدناها متّصل بأعلى درجات لاحقة هذا.
والجواب عن التقرير الأوّل للشبهة بالتزام تناهي مراتب العقول وتخصيص
__________________
(١). س : وحدته.