فحاصل معنى محبّة الله سبحانه لخلقه (١) ـ كما أشير إليه سابقا ـ أنّ من أحبّ ذاتا تامّة فوق التمام في جميع الكمالات لا بدّ أن يحبّ ما ينشأ من هذه الذات بذاته من اللوازم والآثار المنبعثة عنه من دون مدخلية للغير. فإن كان لتلك اللوازم والآثار حيثية اخرى سوى كونها لوازما وآثارا لهذه (٢) الذات يمكن أن تتعلّق بها محبّة استعلائية لأجل تلك الحيثية الاخرى التي هي غير جهة كونها لازمة وتابعة ؛ وأمّا إذا لم تكن لهذه اللوازم والتوابع حيثية سوى كونها توابع ولوازم كما هو الشأن في حقائق الممكنات بالقياس إلى الوجود الحقّ الأوّل ؛ فلا يمكن تعلّق الابتهاج بها إلّا من جهة الابتهاج بالذات ؛ فابتهاجه سبحانه بمخلوقاته يرجع إلى الابتهاج بذاته ، بل ابتهاج كلّ أحد بلوازم الحقّ الأوّل وتوابعه وآثاره هو الابتهاج بذاته. ألا ترى أنّ من أحبّ عالما أحبّ تصنيفه من حيث إنّه تصنيفه ، وجميع العالم بأجزائه وجزئياته ووجوداته وحقائقه وصوره وهيئاته وعوارضه تصنيف الله / B ١٥٦ / تعالى بلا حيثية اخرى.
ولمّا ثبتت محبّته تعالى لذاته وهي عين علمه بذاته المستجمعة لجميع الكمالات من حيث إنّها مستجمعة فتثبت محبّته للوازمه وتوابعه التي هي الموجودات الإمكانية بأسرها ؛ ولمّا كان وجود الممكن في نفسه وكونه أثرا من آثار قدرته تعالى أمرا واحدا بلا اختلاف ؛ إذ الوجودات الإمكانية هي ارتباطات وجود الحقّ وتجلّياته وجهات كمال جوده وحيثيات فيض وجوده ؛ فابتهاجه بذاته ينطوي فيه ابتهاجه بجميع لوازمه وآثاره ، (٣) كما أنّ علمه بها ينطوي في علمه بذاته.
ثمّ لمّا كانت الوجودات الإمكانية متفاوتة في الكمال والنقص والشرافة والخسّة والقرب والبعد بدوا وعودا من الوجود الحقّ ؛ فتكون محبّته تعالى بالنسبة
__________________
(١). س : + انه.
(٢). س : لهذا.
(٣). س : + و.