أنّ إدراكه لذاته لا يناسب بوجه إدراكنا ؛ لأنّا لا ندرك من ذاته وصفاته إلّا امور جميلة يسيرة.
ثمّ لمّا عرفت أنّ الابتهاج والعشق والحبّ والرضاء والسرور وأمثالها ألفاظ متقاربة متّحدة المدلول وهو العلم بكمال الشيء وجماله مع ما يلزمه من الحالة البهيّة النورية ؛ وتلك الحالة في الحقيقة راجعة إلى العلم بحيثية كونه كمالا وخيرا ومؤثرا ؛ فحقيقة العشق والحبّ والابتهاج ومثلها هو إدراك المؤثر من حيث إنّه مؤثر ؛ فإدراك الكمال يوجب حبّه ، لكون الكمال مؤثرا.
فعلم أنّ الأوّل تعالى عاشق ومحبّ لذاته ولما صدر عنه من النظام الجملي من حيث إنّه تابعة ولازمة ورشح ذاته وفيض / A ١٥٦ / وجوده على وجه واحد ثابت مستمرّ ؛ لأنّه تعالى مبتهج بهما ولكن على نحو مقدّس عن الانفعال والتغيّر والتجدّد كما يليق بذاته الواجبة وصفاته الكمالية ؛ فالعشق والحبّ في حقّه بمعناهما الحقيقي وليس بمجاز عن إيصال الثواب للطاعات كما زعمه الزمخشرى وجماعة من المتكلّمين.
نعم ـ كما أشرنا إليه ـ إطلاق الأسماء والصفات على الواجب وغيره مع كونه حقيقة فيهما ليس بمعنى واحد في درجة واحدة ؛ فالوجود والعلم والقدرة والإرادة ليس إطلاقها على الواجب والممكن على نهج واحد وإن كان حقيقتا فيهما ؛ لأنّها في الواجب قائمة بذاتها ؛ لأنّها عينه تعالى وفي غاية التمامية والكمال ، ولا يشوبه نقص وقصور وزوال ولا تغيّر وتجدّد وتبدّل الحال ؛ وفي الممكن أظلال وأشباح لوجود الحقّ وصفاته ، ومشوبة بالقصور والنقائص والتجدّد والتغيّر والأعدام. فالمحبّة في حقّ الخلق يصحبها نقص وقصور ؛ وأمّا في حقّ الخالق سبحانه فمنزّهة عن التغيّر والقصور والتجدّد والفتور.