عاقلا أجلّ الأشياء وأعلاها وأشدّها قدرة وأقواها ، ومن حيث كونه عقلا أشدّ التعقّلات وأعلاها وأظهرها وأجلاها ، ومن حيث كونه معقولا أشرف المعقولات وأبهاها وأرفعها وأسناها (١) ؛ فهو إذن أقوى عاقل لأجلّ معقول بأتمّ تعقّل بما هو عليه من الكمال والجلال.
ثمّ قياس ابتهاجه / B ١٥٥ / أيضا إلى ابتهاج غيره من الملائكة والعقول والنفوس الفلكية والإنسانية كقياس كماله إلى كمالهم ؛ فزيادة ابتهاجه تعالى بجمال ذاته وباستيلائه على الكلّ علما وعينا على ابتهاج غيره بقدر أشرفية ذاته وزيادة استيلائه العلمي والعيني على ذاته واستيلائه ؛ وأنت تعلم أنّ هذه الزيادة تزيد على الغير المتناهي بقدر الغير المتناهي ، إذ لا نسبة للذات الممكن المعلول مع استيلائه العلمي المفاض عن علّته والعيني المستفاد مع تعلّقه بالبعض دون الكلّ مع الذات الواجب الموجد للكلّ المستولي على الكلّ علما (٢) وعينا بالاستيلاء الذاتي.
كيف وقد يعاضد البرهان والعيان على أنّ ابتهاج المجرّدين ـ من الملائكة المقرّبين والعقول القادسة ـ والنفوس ـ من الفلكية والإنسانية ـ بملاحظة جمال الحضرة الربوبية ومطالعة جلال جناب الألوهية أزيد وأشدّ كثيرا من ابتهاجهم بأنفسهم؟!
ولذا قال بعض العارفين : لو لم يكن له تعالى من الابتهاج بإدراك جماله إلّا ما لنا من اللذّة بعرفانه مهما قطعنا النظر عن غيره وتوجّهنا شراشرنا إلى جناب قدسه (٣) واستشعرنا ما يمكننا أن ندركه من عظمته وجلاله وبهائه وجماله وصدور الكلّ منه على أحسن ترتيب وانتظام وانقياد الجميع على طريق التسخير الجعلي ودوام ذلك أزلا وأبدا من غير إمكان تبدّل وتغيّر لكان لا يقاس بها لذّة مع
__________________
(١). س : اشياها.
(٢). س : علماء.
(٣). س : قدسيه.