الموجودة (١) بأسرها واقعة بقدرته تعالى بلا واسطة غيره والممكنات المعدومة مقدورة له بلا واسطة أيضا.
والظاهر : أنّ الاحتمالين الأوّلين غير مقصودين لأحد من العنوان المذكور لثبوتهما بعد إثبات التوحيد وحدوث العالم بأىّ معنى كان ، بل يثبت أحدهما بمجرّد أدلّة إثبات الصانع ؛ فلا حاجة إلى تجشّم استدلال آخر مع أنّهم ذكروا لإثبات هذا العنوان أدلّة على حدة.
والاحتمال الآخر هو مقصود الأشاعرة من العنوان المذكور ؛ لأنّهم قالوا : المراد منه أنّ ما سوى الذات والصفات من الموجودات واقعة بقدرته وإرادته ابتداءً بلا واسطة غيره ؛ وكلّ ممكن الوجود بذاته يمكن صدوره عنه بحيث لا يجب عليه شيء ولا يمتنع عليه شيء. نعم عادة الله جارية بإيجاد بعض دون بعض ؛ وضعف ذلك من حيث نفي التوسّط وحديث جريان العادة الموجب للترجيح بلا مرجّح لا يخفى على أحد.
والاحتمال الثالث ممّا نسب إلى المحقّقين من الكلاميّين والحكماء ؛ لأنّهم قالوا : إنّه تعالى من حيث ذاته وقدرته الكاملة قادر على إيجاد كلّ ممكن ذاتي لكنّ إرادته وعنايته متعلّقة بتامّ الكائنات على الوجه الأكمل الأصلح بحال الكلّ ؛ والقوابل مستعدّة بحسب مشيّته لقبول بعض أنحاء الوجودات دون بعض ؛ فكلّ ما يدخل من الممكنات في الوجود قائما هو على وفق مشيّته وعنايته وملاحظته لنظام الخير إمّا بالذات كالخيرات أو بالعرض كالشرور ؛ وجميعها مستند إليه تعالى ولا يدخل في الوجود شيء إلّا وهو معلول قدرته وإن كانت بوسائط وأسباب راجعة إليه وليس شيء من تلك الوسائط مضادّا له في حكمه (٢) ولا منازعا له في سلطانه وكلّ ما لا يدخل في الوجود من الممكنات قائما هو أيضا لأجل
__________________
(١). س : الوجودة.
(٢). س : حكمة.