الداعي في بعض الأوقات وإن وجب الصدور في وقت آخر ـ ممّا أثبته المعتزلة للواجب تعالى ؛ فإنّهم لمّا قالوا بحدوث العالم ومسبوقيته بالعدم الزماني قالوا : إنّ صدوره في الوقت الذي وجد وجب بالنظر إلى الداعي وأمّا قبله ـ أعني في زمان عدمه ـ كان كلّ من صدوره ولا صدوره بالنظر إلى الداعي (١) ممكنا ؛ والفلاسفة لقولهم بقدم (٢) العالم وعدم الانفكاك بينه وبين الواجب تعالى أنكروا ثبوت القدرة بهذا المعنى للواجب تعالى وقالوا بالإيجاب المقابل لها ـ أعني امتناع الترك بالنظر إلى الداعي في جميع الأوقات ـ وأوردوا على المعتزلة / A ١٣٧ / بأنّ ثبوت القدرة بمعنى إمكان الفعل والترك بالنظر إلى الداعي في زمان عدم العالم لا معنى له ؛ إذ ظاهر أنّ في زمان الترك لم يوجد داعي الفعل ؛ فمع عدمه يكون الترك واجبا ؛ كما أنّه مع وجوده يكون الفعل واجبا كما اعترفتم به ؛ فلا يثبت في زمان الترك بالنظر إلى الداعي القدرة المفسّرة بالإمكان.
وبالجملة : اللازم على [ما] ذكروه بالنظر إلى الداعي وجوب الترك في وقت ووجوب الفعل في وقت آخر ؛ فأين القدرة بالمعنى المذكور؟
وعلى أىّ تقدير إنّ القائل بأحد الحدوثين ـ أعني الزماني أو الدهري ـ وبمسبوقية العالم بالعدم الزماني أو الواقعي لا بدّ أن يعتقد القدرة بهذا المعنى ؛ إذ مع انتفائها لا يكون العالم مسبوقا بعدم حتّى يتحقّق فيه ترك العالم أو إمكان الترك والفعل.
وأمّا القدرة بالمعنى الثاني ـ أعني إمكان الصدور واللاصدور بالنظر إلى الذات وإن وجب الصدور بالنظر إلى الداعي ـ فقد صرّح بعضهم باتّفاق المثبتين والفلاسفة على ثبوتها للواجب سبحانه ونفي الإيجاب المقابل لها عنه تعالى.
وفيه أنّ الفلاسفة مصرّحون بامتناع ترك صدور النظام الكلّي عن الواجب
__________________
(١). س : الدعى.
(٢). س : تقدم.