ما فيه من الحوادث حاضرا لديه موجودا عنده ؛ وأمّا قاطع البرهان وأنظار المجرّدين عن قيود الموادّ وجلابيب الأبدان فيقتضي كون المجرّد خصوصا صرف الوجود المتعالي عن شوائب المادّية متقدّسا عن الانتساب إلى الزمان ومحيطا به وكون جميعه بالنسبة إليه واحدا (١) وحضوره بكلّيته ووجوده برمّته عنده في الأزل.
وبيان ذلك : أنّ الزمان من لواحق الحركة التي هي من لواحق الجسم. فلمّا كان الواجب منزّها عن الجسمية استحال أن يكون في زمان.
وأيضا : إن أوجد الواجب تعالى الزمان وهو [فيه] لزم كون الزمان متقدّما على نفسه وإن أوجده بدون أن يكون فيه كان غنيّا في وجوده وعلمه وساير صفاته عنه.
والتوضيح : أنّه لو كان الواجب و/ B ١٢٦ / صفاته كالعلم وغيره زمانيا ـ أي منتسبا إليه بالقرب والبعد والمضيّ والحالية والاستقبال ـ لكان مادّيا لا مجرّدا ؛ إذ النسبة بين الشيئين بالقرب أو البعد الزماني فرع كون الشيئين كليهما مادّيّين كما في النسبة بينهما بالقرب أو البعد المكاني بلا تفاوت ؛ فإنّه لو جاز حصول النسبة الزمانية بين الواجب وجزء من الزمان أو حادث واقع فيه لجاز حصول النسبة المكانية بينه وبين جزء من المكان أو جسم حاصل فيه ، لعدم تعقّل التفرقة بين الأمرين بوجه ، لاشتراكهما في كون أحد طرفى النسبة مجرّدا متعاليا عن المكان والزمان وكون الآخر جسما أو جسمانيا ؛ وعدم كون كلّ من الشيئين من النسب المعنوية التي يمكن تحقّقها بين المفارقات لقضاء الضرورة بأنّ النسبة الزمانية كالمكانية في عدم كونها من النسب المعنوية ، بل هي من المادّية التي لا توجد إلّا في المادّيات ؛ وعلى هذا لو كان الموجود الحاضر عنده في كلّ وقت منحصرا
__________________
(١). س : إليه كان واحد.