ولا يتوهّم أحد أنّ في ذلك التزام قدم الحوادث ؛ لأنّا (١) نقول : إنّ كلّ حادث موجود في الأزل وحاضر عنده تعالى ، بل نقول : إنّ كلّ حادث في وقت وجوده حاضر لديه ومنكشف عنده مع كونه في الأزل.
فإن قيل : إحاطته تعالى بكلّية الزمان وكونه بطوله بالنسبة إليه كان واحدة إلّا أنّ ذلك بحسب الشهود العلمي الارتسامي لا بحسب الشهود الخارجي ؛ إذ ما لا وجود له لنفسه كيف يكون موجودا لغيره وحاضرا عنده؟! نعم لو فرض وجود / A ١٢٦ / الزمان بكلّيته (٢) ـ أي بمجموع طوله وامتداده مع جميع ما يوجد في أجزائه موجودا ـ لكان الجميع موجودا عنده حاضرا لديه بحسب الشهود الخارجي ؛ وأمّا إذا لم يكن موجودا في الخارج ، بل كان الموجود فيه آنا واحدا ؛ فلا يعقل حضور الجميع ؛ إذ حضور ما لم يوجد عنده تعالى وهو في الأزل غير معقول ؛ فالحوادث إذا لم تكن موجودة في الأزل فكيف يعقل حضورها عنده تعالى (٣) في أوقاتها مع عدميتها أو عدمية الأوقات؟! كيف يعقل أن يكون غير الموجود لنفسه موجودا لغيره مع أنّ الوجود الغيري والرابطي للشيء فرع وجوده لنفسه؟!
قلنا : أمثال تلك الشبهات إنّما تتطرّق في قلوب المسجونين في سجن الزمان والمحبوسين بقيود الموادّ والمكان نظرا إلى قياسهم المجرّد المتعالي عن الزمان والمحيط (٤) به على المادّي الزماني المحاط به ؛ فإنّ من ألف بالزمان ووقع في حيطته وانتسب إليه بحيث بعضه بالنسبة إليه ماض وبعضه حال وبعضه مستقبل يتوهّم أنّ كلّ موجود حاله بالنسبة إلى الزمان كذلك ولا يمكنه أن يعقل خلاف ذلك ؛ أعني وجود موجود متعال عن الزمان محيط بكلّيته بحيث يكون كلّ جزء منه مع
__________________
(١). س : الحوادث الا با لا.
(٢). س : بكلّيه.
(٣). س : + فيه.
(٤). س : لمحيط.