تأخّره إنّما هو بمجرّد الذات تكون الأشياء بأسرها منكشفة عنده لكونها مرتسمة فيه وللزوم انكشاف وجود المعلول مع ما ارتسم فيه عند علّته ؛ فهذا الانكشاف / A ١٢٥ / لأجل كونه من لوازم العلّية والمعلولية لا لأنّه كماله تعالى وعدمه نقص ؛ إذ المعلول الأوّل متأخّر بالذات عنه تعالى ؛ فلو كان انكشافه بما فيه كمالا له لزم فقد الكمال في مرتبة الذات ، وهو باطل ؛ وأيضا يلزم افتقار الأوّل تعالى في كماله إلى غيره وهو فاسد ؛ فالكمال له تعالى ليس إلّا علمه الحقيقي الكمالي الذي هو محض ذاته الموجب بذاته لانكشاف الكلّ بعد حصول شرطه وصدور كلّ موجود منكشفا عنده بما فيه إنّما هو لازم العلّية والمعلولية لا يكون ذلك علما كماليا. فلو كان أوّل المعلولات حادثا بالحدوث الدهري أو الزماني لم يكن عدم علمه الحضوري به وبسائر الأشياء في وعاء عدمها من الدهر أو الزمان نقصا له تعالى ، لما عرفت من أنّ العلم الحضوري إنّما هو انكشاف الوجود الخارجي ؛ وما لا وجود له في الخارج لا معني لانكشاف وجوده الخارجي.
والعجب أنّ المحقّق الطوسي بعد إبطاله الحصولي والطعن والردّ على قائله اختار الحضوري وصحّحه بهذا الوجه مع أنّه اختار في تجريده كون العالم حادثا بالحدوث الزماني كما فهمه الأكثرون أو الدهري كما احتمله الباقون. فلو كان هذا العلم كمالا له لزم مع افتقاره في كماله إلى الغير فقده عنه في زمان غير متناه أو دهر لو فرض (١) وقوع زمان فيه لكان غير متناه ؛ وكأنّه رجع في شرحه للإشارات عن مختاره في التجريد وحينئذ وإن اندفع هذا الفساد والتناقض إلّا أنّه إن كان هذا العلم كمالا عنده يرد عليه ما تقدّم من كونه فعله تعالى ومتأخّرا عن ذاته ، وكمال الشيء لا يكون كذلك.
ويمكن أن يقال : إنّ هذا العلم ليس كمالا عنده إلّا أنّه لمّا كان من لوازم العلّية
__________________
(١). س : افرض.