العينية والخفاء ـ مرتفعة عنه.
[السادس :] قد ظهر ممّا ذكر أنّ الأشياء قبل وجودها يمتنع أن تكون معلومة بالعلم الحضوري ؛ لأنّه ـ كما علم ـ مجرّد الظهور (١) العيني أو الظلّي للشيء ؛ وكيف يظهر الوجود بوصف الخارجية مع عدم تحقّقه في الخارج ؛ فإنّ ذلك تناقض صريح ؛ ففرض العلم بالوجود الخارجي مع المقيّد منه في الخارج يوجب الجهل ، لكونه من قبيل العلم بعالمية زيد مع كونه جاهلا.
فالعلم بوجود الشيء قبل تحقّقه في الخارج لا يمكن أن يكون حضوريا ، بل يكون حصوليا ؛ إذ العلم بوجود الشيء لا من طريق الإشراق والانكشاف ومشاهدته في الخارج ، بل من الاستدلال والنظر علم حصولي كلّي ؛ إذ ما يعلم وجوده بالاستدلال إنّما يعلم بالأوصاف الكلّية ؛ فيدخل في الذهن حقيقته أو مثاله ثمّ يحكم بالدليل على كونه موجودا في الخارج ؛ وما هو إلّا الحصولي. فالمعلوم بالحضوري ينحصر في ما (٢) كان موجودا مشاهدا في الخارج أو الذهن ؛ وذلك بعد حصول الربط بينه وبين المجرّد المدرك.
وعلى هذا فعدم العلم بالأشياء قبل وجودها علما حضوريا ليس نقصا ، كما أنّ عدم العلم بتجرّد الجسم كذلك ؛ إذ السلب لانتفاء الموضوع ؛ وعلى هذا ففرض عدم علم الواجب بالأشياء بالعلم الحضوري قبل إيجادها لا يوجب نقصا له لما ذكر ؛ ولأنّ العلم الحضوري الانكشافي ليس كمالا له تعالى وإنّما كماله هو العلم الحقيقي الذي هو عين ذاته ونفسه ؛ وغيره من انكشاف الأشياء وارتسام الصور ليس كمالا له تعالى ، لأنّهما من فعله المتأخّر عن مرتبة ذاته وفعل الشيء لا يكون كمالا له وإنّما كماله مبدئيته لهما وما حالهما إلّا كحال ساير صفاته الإضافية التي هي من أفعاله المتأخّرة عن ذاته وتحقّقها فرع تحقّق متعلّقاتها ولا يوجب / B ١٢٤ /
__________________
(١). س : ظهور.
(٢). س : ينحصر بما.