وكما أنّ العدد مع غاية تباينه مع الوحدة لا يخلو عنها ؛ فإنّ الواحد ليس بعدد والعدد ليس بواحد مع أنّ العدد ليس سوى الوحدة المتكرّرة ؛ فينفي ما يثبته بعينه كذا الحقّ ليس بخلق والخلق ليس بحقّ مع أنّ الخلق لا يخلو عن فيض الحقّ ؛ فسبحان الذي خارج عن كلّ شيء لا بمزايلة وداخل فيه لا بمقارنة (١).
وإذ عرفت ذلك فاعلم أنّه ينبغي للعارف السالك أن ينفي عنه سبحانه جميع أنحاء الوحدات الإمكانية ويثبت له مفهوم الوحدة الحقّة الحقيقية وإن لم يعرف مصداقها وحقيقتها (٢) ؛ إذ حقيقته الوحدة ومصداقها مجهولة الكنه لا يمكن معرفتها كمعرفة أصل ذاته و (٣) وجوده.
وما ذكرناه من نفي الوحدة العددية عنه تعالى قد تكرّر في كلام المعصومين عليهمالسلام كقولهم : «واحد لا بتأويل العدد» (٤) وعلى هذا ينبغي أن يؤوّل قول سيّد الساجدين عليهالسلام في الصحيفة : «لك يا إلهى! وحدانية / B ١٢٠ / العدد» (٥) لما ذكرناه من أنّ الوحدة العددية لمّا كانت ظلّا للوحدة الحقّة الحقيقية ومناسبة لها بوجه صحّ نسبتها إليه تعالى وإن كانت مباينة عنها بوجوه شتّى كما ذكرناه. على أنّه يمكن أن تكون هذه النسبة نسبة المعلولية والصدور وكونها مفاضة عنه.
ثمّ الظاهر أنّ الواحدية والأحدية بمعني واحد وهو نفي التركيب بحسب الوجود العيني من الأجزاء الخارجية وبحسب التحليل العقلي من الجنس والفصل وبحسب التفصيل الوهمي من الماهيّة والوجود ومن الذات والصفة ؛ وفي بعض الأخبار المرويّة عن الباقر : «أنّ الواحد والأحد بمعني واحد وهو المنفرد الذي لا نظير له» وقال بعض العارفين : «إنّ الحضرة الأحدية لا نعت لها وكلّ ما
__________________
(١). قد مرّ أنّ هذه العبارة مقتبسة من الكلام العلوي في نهج البلاغة ، خطبة ١.
(٢). س : حقيقها.
(٣). س : ـ و.
(٤). انظر : الأمالى (للشيخ الطوسى) ، ص ٢٣ ؛ الأمالى (للشيخ المفيد) ، ص ٢٥٥ ونور البراهين ، ج ١ ، ص ١٠٦.
(٥). الصحيفة السجّادية ، الدعاء ٢٨.