بلا اعتبار وجود الغير وصفاته وأفعاله معه ؛ والموحّدون ما وصلوا إلى مقام هذا التوحيد وما ادّعوا وصولهم إليه إلّا بعد فنائهم من أنفسهم وخلاصهم عن مشاهدة الغير الذي هو وجودهم ووجود ساير الممكنات المعبّر عنه بالشرك الخفيّ.
وأمّا الأشاعرة فأثبتوا للعباد وجودات متحقّقة وذوات مستقلّة ومع ذلك أسندوا أفعالهم إلى الله سبحانه مطلقا ؛ فهم مشركون في توحيد الأفعال بالشرك الخفيّ كما أنّهم مشركون في التوحيد الالوهي بالشرك الخفيّ ؛ فهم ما خلصوا في هذا القول من رؤية الغير الذي هو وجودهم ووجود غيرهم المعبّر عنه بالشرك الخفيّ ؛ وإن أسندوا جميع الأفعال إلى الله سبحانه من دون نسبة شيء منها إلى محلّه الخاصّ الصادر منه ذلك الفعل ؛ وقالوا : هذه أفعال الله تعالى من غير فرق إلّا بالآلية ونحوها.
وأمّا الموحّدون وإن قالوا بعدم فاعل مستقلّ بالتأثير إلّا الله إلّا أنّهم نسبوا كلّ فعل من أفعال العباد إلى محلّه الخاصّ الذي صدر منه ذلك الفعل ؛ فقالوا : هذا فعل آدم وذاك فعل الشيطان وهذا فعل موسى وذاك فعل فرعون.
وبالجملة : مبنى توحيد الموحّدين على قصر الوجود والصفة والفعل حقيقة على واحد هو علّة الكلّ واستهلاك ما عداه من الممكنات ذاتا وصفة وفعلا بالنسبة إليه نظرا إلى أنّ المعلول من حيث هو معلول لا تحقّق له مع قطع النظر عن العلّة وإن كان له نوع تحقّق بملاحظة علّته ؛ وبهذه الملاحظة اعترفوا بتحقّق الكثرة وإسناد كلّ فعل إلى محلّه الخاصّ ، وإثبات التأثير والتأثّر بين الموجودات الإمكانية ؛ فبالملاحظة الأولى يندفع التفويض وبالثانية الجبر ؛ وبناء جبر الأشعري على إثبات وجودات الممكنات من العباد وغيرهم بالاستقلال وعدم استهلاكها في جنب ذات الله أصلا ؛ فهذا / A ١١٧ / نوع من الشرك الخفيّ وإسناد جميع أفعال العباد المستقلّين بالوجود من خيرها وشرّها وحسنها وقبيحها إلى