وجوداتهم في جنب ذاته تعالى ووجوده : (كُلُّ شَيْءٍ هالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ) (١).
وما ذكره جماعة من مراتب السير والسلوك ـ أعني السير إلى الله والسير مع الله والسير في الله ـ راجعة إلى هذه المقامات بأن يكون السير إلى الله إشارة إلى مقام الفرق والسير مع الله وفي الله إشارة إلى مقام جمع الجمع بقسميه ومقام الجمع أيضا راجع إلى أحد الآخرين.
وهاهنا مقام آخر أرفع وأعلى من الكلّ ويشتمل على الجميع مع الزيادة ويسمّى مقام السير من الله وهو مخصوص بالأنبياء وأوصيائهم عليهمالسلام وهو أن يصير العارف كاملا في جميع المقامات ويصل إلى أقصاها ويبلغ في الكمال إلى حدّ يستعدّ لأن يرسله الله إلى إرشاد عباده وهدايتهم (٢) ويكون واسطة بينه وبينهم في إيصال فيضه إليهم ويكون برزخا بين عالمى الأمر والخلق وعالمى الغيب والشهادة ويكون له جنبتان إحداهما في عالم التجرّد والاخرى في عالم الحسّ ، يستفيض بالأولى من العالم الأعلى ويفيض بالاخرى على سكّان العالم السفلى ؛ ولهذا المقام كسائر المقامات عرض عريض ودرجات ومراتب تختلف بحسب اختلاف مراتب الأنبياء والأولياء.
وحاصل جميع المقامات المذكورة في التوحيد الوجودي الذاتي أن يشاهد العارف في كلّ الأشياء وجودا بحتا حقّا ونورا صرفا محضا وذاتا قائما بذاته حقّا ويكون عنده وجودات الممكنات وذواتهم بأسرها مرتفعة مضمحلّة في جنب هذا الوجود الحقّ والذات / B ١١٣ / الواحد المطلق.
وإذا عرفت جليّة الحال في التوحيد الوجودي الذاتي فقس عليه حال التوحيد الوجودي الصفاتي والتوحيد الوجودي الأفعالي ؛ فإنّ العارف السالك كما يشاهد جميع ذوات الممكنات فانية مضمحلّة في ذاته تعالى كذلك يشاهد
__________________
(١). القصص / ٨٨.
(٢). س : هذا ايتهم.