المجرّدات وإن لم / A ١١٤ / يكن لتلك المجرّدات بحيث ذواتها وجود حسّي ولا صورة حسّية لكنّها يظهر وينكشف بروحها متشكّلة بأشكال المحسوسات متمثّلا بمثل المادّيات ويصير متجلّية عليه بالصور المناسبة لمقام ذلك العارف وحاله.
فإن لم تقدر يا أخي! أن تدرك أمثال ذلك وتصل إلى حقيقته ؛ فلا تبادرنّ إلى إنكاره ؛ فإنّه واقع في حيّز الإمكان ، كما ورد في الأخبار المعتبرة أنّ روح الأمين ظهر بصورة دحية الكلبي وساير الصور الحسّية على خير البشر وورد في الأخبار المتفرّقة أنّ بعض الملائكة ظهر بصورة شخص على بعض الكمّل من الأولياء ، بل على بعض الزهّاد والعبّاد ؛ وإذا وصل العارف إلى هذا المقام تتجلّى عليه من مبدئه وموجده تجلّيات ذاتية وصفاتية وأفعالية وآثارية مناسبة لحاله ومقامه ؛ والغالب أن يكون التجلّي الآثاري أثرا متلبّسا بملابس الأكوان وعالم الشهادة ؛ فيتمثّل بمثل عالم الحسّ من الصور الحسّية والجسمانية ، وأكثره أن يكون بصورة إنسان كامل ؛ ويسمّى هذا التجلّي باصطلاح القوم بالتجلّي الصوري وبالتباس أيضا ؛ وأكثر التجلّيات الأفعالية إنّما تكون بالأنوار المتلوّنة كالنور الأبيض والأخضر والأحمر ؛ وأكثر التجلّيات الصفاتية تكون بالتجلّي بالصفات الكمالية ، مثل العلم والقدرة والإرادة أمثالها ؛ وأمّا في التجلّي الذاتي فيتجلّى من حضرة القدس ذات من الذوات النورية أو آية من الآيات البهيّة مصوّرة بالصور الحسّية ولا سيّما الصور المألوفة ؛ فيصير العارف فيه فانيا مطلقا بحيث لا يبقى له علم وشعور بذاته ولا بصفاته ولا بشيء آخر أصلا ، كما قال سبحانه (لَنْ تَرانِي وَلكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكانَهُ فَسَوْفَ تَرانِي) (١).
وهذه التجلّيات تختلف بحسب قوّتها وضعفها وصفاتها وكدورتها وزيادتها ونقصانها وأوقاتها وحالاتها المختلفة بأحوال السالكين ؛ فهذه التجلّيات للأنبياء
__________________
(١). الأعراف / ١٤٣.