تأليفا طبيعيا ، مرتبطة بعضها ببعض ، متوقّفة بعضها على بعض ، منتفعة بعضها من بعض ، منتظمة في رباط واحد تدلّ على أنّ مدبّرها وممسكها عن الانحلال قوّة واحدة ومبدأ واحد ؛ فكذلك الحال في أجسام العالم وقواها ؛ فإنّ كونها مع انفصال بعضها عن بعض وتفرّد كلّ منها لطبيعة خاصّة وفعل خاصّ ، ممتاز به عن غيره ، مرتبطة منتظمة في رباط واحد ، مؤتلفة ايتلافا طبيعيا يدلّ على أنّ مبدعها واحد ؛ فإنّه قد ثبت أنّ بين الأجسام العظام التي في العالم تلازما وكذا بينها وبين أعراضها ، بل بين أكثر الأعراض ومحالّها ؛ فإنّ استحالة الخلأ وامتناع خلوّ الأجسام المستقيمة الحركات عمّا يحدّد جهات حركاتها تدلّ على التلازم بين الأرض والسماء ؛ وامتناع قيام العرض بذاته وخلوّ الجوهر عن الأعراض يوجب التلازم بينهما ؛ ولا ريب في أنّ اللزوم أو التلازم يوجب الانتهاء إلى علّة واحدة ؛ فالمؤثّر في العالم لا يكون إلّا / B ١٠٧ / واحدا ؛ فكلّ جسم وجسماني ينتهي في وجوده إلى ذلك المبدأ الواحد الذي دلّ وجود هذه الأجسام على وجوده ؛ والمجرّدات من العقول والنفوس التي أثبتها الحكماء إمّا علل لهذه الأجسام أو مدبّرة لها ؛ وإثبات مجرّدات لا تكون عللا ولا مدبّرة لا دليل عليه ولم يقل به أحد من الحكماء ؛ فلكلّ جسم أو جسماني أو مجرّد مرتبط بالأجسام والجسمانيات تأثيرا أو تدبيرا منته إلى مبدأ واحد هو الواجب بالذات.
ولو كان للعالم صانعان ليتميّز صنع كلّ واحد منهما عن صنع غيرها وكان ينقطع الارتباط فيختلّ النظام كما في قوله تعالى : (لَذَهَبَ كُلُّ إِلهٍ بِما خَلَقَ وَلَعَلا بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ) (١) وفي قوله تعالى : (لَوْ كانَ فِيهِما آلِهَةٌ إِلَّا اللهُ لَفَسَدَتا) (٢) أي في مجموع السموات عقولا كانت أو نفوسا أو أجساما ومجموع الأرضيات سواء كانت عنصريات أو طباعا أو نفوسا وكما أنّ حركات الرقص وإن وجدت متباينة
__________________
(١). المؤمنون / ٩١.
(٢). الأنبياء / ٢٢.