اللاحقة ؛ وذلك إنّما ينتظم بحركة دورية.» (١)
ثمّ إنّ تلك الممكنات متى استعدّت استعدادا ما ما صدرت عن الباري تعالى بلا منع وبخل وحدثت بلا تأثير في الوسائط أصلا في الإيجاد ؛ وبذلك صرّح غيرهم من الحكماء ومحقّقي المتكلّمين.
ثمّ لو سلّم أنّ أصل الإفاضة والإيجاد بين الوسائط فلا يكون ذلك حقيقة ؛ لأنّ المعلول من حيث (٢) هو معلول إنّما تحقّقه بارتباطه بالعلّة وتحقّقه تبعيّ ؛ فكيف (٣) يكون تأثيره تأثيرا حقيقيا؟! بل هو راجع إلى الأوّل تعالى وإنّما يستند التأثير إليها بضرب من المجاز ؛ فالموجودات الإمكانية في الحقيقة صادرة عنه تعالى ومرتقية إليه ؛ فالأشياء كلّها بالقياس إليه تعالى محدثة ونسبته تعالى إلى ما سواه نسبة / A ١٠٧ / ضوء الشمس لو كان قائما بذاته إلى الأجسام المستضيئة عنه المظلمة بحسب ذواتها ؛ فإنّه بذاته مضيء وبسببه يضيء كلّ شيء ؛ وأنت إذا شاهدت إشراق الشمس على موضع وإناريته بنورها ثمّ حصول نور آخر من ذلك النور حكمت بأنّ النور الثاني من الشمس وأسندته إليها ؛ فكذا حال وجودات الأشياء ؛ فالكلّ من عند الله تعالى.
وممّا يدلّ على هذا التوحيد ـ أي تفرّده بصنع العالم ـ ارتباط أجزاء العالم بعضها ببعض على الترصيف الحقيقي والنظم الحكمي ؛ فإنّ من فتح عين بصيرته وشاهد نظام الجملى ونظر إلى أجزائه يعلم أنّ أجزائه مرتبطة بعضها ببعض ويتوقّف بعضها على بعض ومتشابكة كأنّها شيء واحد ؛ ولا ريب [في] أنّ ذلك أقوى دليل على أنّ مبدعها (٤) واحد وكما أنّ كلّ واحد من أجزاء شخص واحد وإن وجد ممتازا عن غيره من الأعضاء بحسب الطبيعة لكنّ كونها مع ذلك مؤتلفة
__________________
(١). انظر : المباحث المشرقية ، ج ٢ ، صص ٥٠٨ ـ ٥٠٧.
(٢). س : حيثيه.
(٣). س : فكنف.
(٤). س : ميدعها.