هذا الأصل ـ كما هو مقتضى الزمان الصحيح ـ يمكن أن تقرّر الدليل على التوحيد بوجوه :
أحدها : ما تقدّم من أنّ صرف الوجود المطلق المتعيّن بذاته لا يمكن تعدّده ؛ لأنّ صرف الشيء من حيث هو لا تعدّد فيه وإنّما يتعدّد المعنى الواحد بانضمام التعيّنات المتعدّدة [و] صرف الوجود لا يقتضي إلّا تعيّنا واحدا ؛ إذ الواحد من حيث هو واحد لا يقتضي تعيّنات متعدّدة والتعيّنات المتعدّدة فرع تعدّد المقتضي مع أنّ المقتضي واحد. فالواجب الذي هو صرف الوجود لا يعقل إلّا واحدا ، وإلى هذا أشار الشيخ الإلهي بقوله : «صرف الوجود الذي لا أتمّ منه كلّما فرضته ثانيا وإذا نظرت فهو هو ؛ إذ لا تميّز في صرف شيء.» فذاته بذاته يدلّ على وحدته كما قال سبحانه : (شَهِدَ اللهُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ) (١).
[ثانيها :] أنّه لو تعدّد لزم الترجّح بلا مرجّح ؛ إذ نسبة صرف الوجود إلى ما فوق الواحد من جميع مراتب الأعداد متساوية ؛ فاقتضاؤه مرتبة منها دون غيرها ترجّح بلا مرجّح.
[ثالثها :] أنّه لو تعدّد الواجب الذي هو صرف الوجود فكان اثنين مثلا ؛ فلا يخلو إمّا أن يتّحدا في الحقيقة أو لا ؛ فعلى الأوّل علّة اختلافهما يكون أمرا غير حقيقتهما وغير الوجود المتأكّد ؛ فيلزم إمكان أحدهما أو كليهما ؛ وعلى الثاني يكون وجوب الوجود عارضا لهما أو لأحدهما ؛ وقد يثبت أنّ حقيقة واجب الوجود ليس إلّا نفس الوجود المتأكّد.
[رابعها :] أنّه لو تعدّد الواجب لا يمكن أن يكون / B ١٠٤ / أثر أحدهما بعينه هو أثر الآخر ، لاتّفاقهما في الحقيقة ؛ أعني وجوب الوجود الذي هو معني واحد وعين كلّ منهما ؛ فاستناده إلى أحدهما دون الآخر يوجب الترجيح بلا مرجّح ؛ وإلى
__________________
(١). آل عمران / ١٨.