ممّا سبق ، لما تقرّر من أنّ الواجب صرف الوجود المتقدّس عن شوائب التركيب والكثرة وأنّه الوجود المتحقّق بذاته المحقّق لجميع الحقائق وأنّ الوجود الذي هو حقيقة الواجب أمر أصيل محقّق قائم بذاته ، بسيط من جميع الجهات والحيثيات ، وهو بذاته منشأ لانتزاع الوجود العامّ ، وهو حقيقة الوجود وما سواه من الوجودات الإمكانية صادرة منه ، مترشّحة عنه ، تابعة له تبعية (١) الظلّ لذي الظلّ والشبح لذي الشبح ؛ ولا نعني من حقيقة الوجود إلّا ما هو قائم بذاته / B ٩٤ / متحقّق بنفسه ومنشأ لانتزاع العامّ من حيث حقيقته وحاقّ ذاته وإن كان مجهول الكنه.
وعلى هذا فحقيقة الوجود أمر أصيل قائم بذاته والوجود العامّ منتزع عنه بمعني أنّه اعتبار من اعتباراته ؛ وعلى هذا ليس الواجب فردا من هذا العامّ لما يأتي ولا نائبا مناب الوجود في انتزاع العامّ عنه حتّى لا يكون وجودا في الحقيقة ويكون إطلاق العينية بضرب من المجاز لظهور بطلانه كما يأتي ، بل كما ذكرنا أنّه حقيقة الوجود ولا حقيقة موجودة سواه والعامّ أمر اعتباري منتزع عنه والوجودات الخاصّة الإمكانية متحقّقة بالارتباط به ولو لا ارتباطها به لكانت أعداما صرفة ؛ فهو محقّقها وحقيقتها (٢) ؛ فهي من حيث الأصل والسنخ والحقيقة واحدة ومن حيث قصوراتها ونقصانها واستتباعها لما هيّأتها متكثّرة متعدّدة.
وممّا يدلّ على عينية الوجود في الواجب وكونه صرف الوجود أنّ الوجود لو كان زائدا فيه مغايرا له لكان إمّا جزئه أو عارضه أو معروضه.
والأوّل : يوجب التركيب المستلزم للاحتياج المنافي لوجوب الوجود ؛ وهذا لو كان كلّ من الجزءين موجودا متحصّلا ولو كان كلاهما أو أحدهما أمرا اعتباريا لزم مع ذلك حصول الموجود المتحقّق الذي هو الواجب من اعتباريّين أو من متحصّل واعتباري ؛ وهذا باطل.
__________________
(١). س : طبيعة.
(٢). س : حقيقها.