كالحسّ في إدراك المعقولات ؛ وأمّا المعتقدون (١) بدرجات العقل والقائلون بأنّ ما شهد له فمقبول وما شهد عليه فمردود ذاته لا طور وراء (٢) طوره ؛ فيزعمون أنّ تلك / B ٨٦ / المكاشفات والمشاهدات على تقدير صحّتها مؤوّلة بما يوافق العقل. فهم بشهادته بديهية عندهم مستغنون عن إقامة برهان على بطلان أمثال ذلك ويعدّون تجويزها مكابرة لا يلتقت إليها ؛ وجليّة الحال في قول الصوفية قد ظهرت في ما سبق.
ثمّ الظاهر أنّ ما ذكروه لا ينافي الحكم المذكور ـ أعني القول بزيادة الوجود على الماهيّة واعتباراته ـ وما ذكره القوم من زيادة الوجود على الماهيّة إنّما المراد منه زيادة الوجود العامّ الانتزاعي عليها والصوفية لا ينكرون هذا الوجود ولا مغايرته مفهوما للماهيّات وهو ظاهر ؛ إذ ظاهر أنّ مرادهم بوحدة الوجود هو أنّ الوجود الحقيقي واحد والماهيّات المتخالفة شئونه.
[الثالث :] أنّ الوجود لو لم يكن زائدا على الماهيّة لم يتحقّق ممكن أصلا ؛ لأنّ الإمكان عبارة عن تساوي نسبة الماهيّة إلى الوجود والعدم ؛ فلو كان الوجود المطلق عين الماهيّة أو جزئها لم تتحقّق نسبة أصلا ؛ لأنّها إنّما تكون بين متغايرين فضلا عن التساوي.
وأيضا كيف يكون نسبة الشيء إلى عينه أو جزئه كنسبته إلى ارتفاعه؟!
قيل : (٣) من يزعم أنّ الوجود نفس الماهيّة يقول : إنّ بعض الماهيّات يقتضي لذاتها كونها تلك الماهيّة في الخارج وهو الواجب لذاته وبعضها كالإنسان مثلا يحتاج في كونه إنسانا في الخارج إلى غيرها وهو الممكن ؛ وليس هناك أمر يكون نسبة الماهيّة إليه وإلى سلبه على السواء ؛ ولو سلّم فالمغايرة الاعتبارية (٤) كافية كما في
__________________
(١). س : المتعددون.
(٢). س : لا طور ويراد طوره.
(٣). س : قبل.
(٤). س : لاعتبارته.