موجوديته بالفعل وموجوديته بالفعل إنّما هو بصورته وفعله إنّما يكون بمشاركة الوضع ؛ فلا يكون فاعلا لما لا وضع له ؛ وعلى هذا نقول ـ بعد التنبيه على أنّ فاعل الجسم يكون فاعلا بجزئيه أوّلا ؛ لأنّ فعل المركّب مسبوق بفعل أجزائه / B ٧٢ / ـ : لو صدر جسم عن مثله لزم أن تكون القوّة الجسمية ـ أعني صورة الجسم الفاعل ـ مؤثّرة في ما لا وضع له ـ أعني كلّ واحد من جزئى الجسم الصادر ـ وهو محال.
وهذا الدليل ينفي علّية الجسم للجسم مطلقا والدليل الخاصّ بالمطلب وهو عدم العلّية والمعلولية بين الأجسام المحيطة بعضها ببعض هو أنّه لا ريب في أنّ المحوي لا يمكن أن يكون علّة للحاوي ؛ إذ تعليل الأقوى بالأضعف ظاهر الفاسد ؛ والعقل لا يحتمل جوازه ؛ ولا يمكن العكس أيضا ؛ إذ نقول ـ بعد التنبيه على أنّ الجسم ما لم يتشخّص لا يمكن أن يكون موجودا فضلا عن أن يكون موجدا وأنّ المعلول وجوبا ووجودا متأخّر عن العلّة لوجوب تقدّمها بالذات على معلولها. فالمعلول لو اعتبر في مرتبة وجود العلّة كان حاله حينئذ مجرّد الإمكان ؛ لأنّه لم يجب بعد وكلّ ما لم يجب ومن شأنه أن يجب فهو ممكن ؛ وأنّ الشيئين اللذين بينهما معيّة (١) وملازمة بحيث لا يمكن أن ينفكّ أحدهما من الآخر ؛ فإنّهما لا يتخالفان في الوجوب والإمكان ؛ لأنّ تخالفهما في ذلك يرفع التلازم ـ : إنّ الحاوي لو كان علّة للمحوي يسبقه متشخّصا وحينئذ كان وجود المحوي إذا اعتبر مع وجود الحاوي المتشخّص موصوفا بالإمكان لكن عدم الخلأ في داخل الحاوي أمر يقارن اعتباره اعتبار وجود المحوي بحيث لا يمكن انفكاكه عنه ؛ فإذن يلزم أن يكون عدم الخلأ أيضا مع وجود الحاوي المتشخّص ممكنا لكنّه في جميع الأحوال واجب وإلّا كان الخلأ ممكنا مع أنّه ممتنع لذاته قطعا.
قيل : لا نسلّم أنّ الخلأ ممتنع لذاته وإلّا لكان عدمه واجبا لذاته لكن وجوب
__________________
(١). س : معنيه.