أن تدركه البصائر وتعرفه الضمائر ؛ فتجلّى بقدرته الظاهرة في مجالي المظاهر والأعيان وفي هياكل الماهيّات والأكوان بأن أفاض من ذاته بذاته وجودات مقيّدة بقيود / B ٥٨ / نقائص الإمكان ، مشتبكة (١) بظلمات الأعدام والفقدان ، ممازجة بالماهيّات الإمكانية ، مخلوطة بالحجب الظلمانية ، مختلفة بحسب ذواتها وفقد الكمالات ، متباينة باختلافها في حصول بعض الفعليات حتّى يمكن أن يدركها العارفون لخروجها عن صرافة الوجود والنور وممازجتها بظلمات الإمكان والقصور وينتقلوا منها إلى الوجود الحقيقي الذي هو مبدأها وموجدها ؛ فهي بحسب تقيّداتها واشتباكها بالماهيّات مظاهر وجود الحقّ ؛ لأنّها لقصورها ونقصان كمالاتها لا بدّ أن ينتهي إلى وجود كامل بالذات مستجمع لجميع (٢) الكمالات لكنّها بحسب ذواتها بحيث لو لم يظهر الوجود الحقّ ولم يظهرها بالإفاضة والجعل لم يكن لها ولا للماهيّات التابعة لها ثبوت وظهور.
فالوجود الحقّ لغاية ظهوره صار محجوبا خفيّا وباحتجابه وبطونه صار ظاهرا جليّا ؛ فسبحان من احتجب بغير حجاب وستر بغير ستر ، علن فبطن وبطن فعلن ؛ فبالحقّ ظهر الخلق وبالخلق ظهر الحقّ ؛ وإن اختلف الظهوران فكلّ من الحقّ والخلق مرآة لمشاهدة الآخر من وجه ؛ وكما أنّ المرآة الحسّية (٣) لا بدّ أن لا يكون لها صبغ ولون حتّى يظهر فيها المرئي وكذا المرئي لا بدّ أن يكون له صبغ ولون في الجملة ليظهر صورته فيها ، كذلك المرآة (٤) المعنوية التي هي الماهيّات لا بدّ أن لا يكون لها في حدّ ذاتها لون الوجود المقيّد ، بل يجب خلوّها عن ألوان الوجودات حتّى يمكن أن يظهر فيها المرئي الذي له لون الوجود في الجملة ؛ أعني صور الوجودات المقيّدة المعبّر عنها بلسان الشرع بصبغة الله ومن الله صبغة ؛ ولذا
__________________
(١). س : مشبكة.
(٢). س : بجميع.
(٣). س : الخسيته.
(٤). س : المرءة.