كما أنّه وجود فهو أيضا موجود ، كما أنّ النور (١) منوّر ؛ فكما أنّ الوجود واحد بالأصل والسنخ ومتكثّر باعتبار التقيّدات ونقصان الكمالات وتبعية الماهيّات ، فكذلك الموجود بهذا المعنى ـ أي الموجود المجعول بالذات الذي هو الوجود ـ واحد ومتكثّر بالاعتبارين ؛ والمجعول بالعرض ـ أعني الماهيّات ـ متعدّدة بأنفسها ؛ لأنّها لوازم النقائص المتكثّرة بالإضافة إلى الكمالات ؛ فصرف الوجود الحقّ واحد في غاية الكمال والجمال ، وجامع لجميع الكمالات الذاتية ؛ والوجودات الفائضة منه المتّحدة في الأصل والسنخ فاقدة لهذه الكمالات كلّا أو جلّا ؛ ولاختلافها في هذا الفقد يتكثّر ويتعدّد بمراتب الفقدان والعدمات المضافة إلى تلك الكمالات لا بالعدم الصّرف حتّى يرد أنّ حقيقة العدم كحقيقة الوجود المقابلة لها واحدة لا تعدّد ولا تمايز فيها ، فكيف تتكثّر الوجودات بالعدم الذي لا تعدّد ولا تمايز فيه؟!
فكلّ وجود فاقد لمرتبة من المراتب الكمالية حقيقة بنفسها ممتازة عمّا سواه بذاته وحقيقته لا بالماهيّة. نعم الماهيّات أظلال وأشباح لتلك الوجودات وكالأسماء والأمارات لها ؛ إذ لا يمكن التعبير عن تلك الوجودات أو الإشارة إليها بخصوصياتها إلّا بها (إِنْ هِيَ إِلَّا أَسْماءٌ سَمَّيْتُمُوها أَنْتُمْ وَآباؤُكُمْ) (٢). فالماهيّات عوارض تلك الوجودات المقيّدة لا مثل ساير العوارض ، بل عروضها له كعروض الاسم للمسمّى واللفظ للمعنى ؛ وهي ما شمّت رائحة الوجود بالذات ، بل إنّما شمّتها بالعرض من قبل معروضاتها ؛ أعني الوجودات الخاصّة التي هي شمّتها بالذات من قبل مفيضها وموجدها / A ٥٨ / الذي هو صرف الوجود وبحت الفعلية والنور. فالماهيّات مجعولة بالعرض ؛ أي بتبعية الوجودات التي هي مجعولة بالذات.
__________________
(١). س : + و.
(٢). النجم / ٢٣.