الإلهية والكلمات
النبويّة.
وتوضيح ذلك : أنّ المدركات إمّا خيالية كالصور والأجسام أو عقلية كالذوات
المجرّدة والمعاني الكلّية ؛ وإدراك الأولى إمّا بالتخيّل أو برؤية العين ؛ وثبوت
الفرق بينهما ظاهر ؛ لأنّ من تخيّل إنسانا يجد صورته حاضرة في خياله كأنّه ينظر
إليها ؛ وإذا فتح العين ورآه أدرك بفرقه ؛ لا يرجع إلى الاختلاف بين الصورتين
لتوافقهما ، بل إلى التفاوت في الكشف والوضوح. فإنّ الصورة المتخيّلة كان لها نوع
وضوح ، وبالرؤية صارت أوضح. فالتخيّل أوّل الإدراك ، والرؤية استكمال له ، وهي
غاية الكشف وسمّيت رؤية لكونها غاية الوضوح لا لأنّها في العين ، بل لو كان هذا
الإدراك في عضو آخر أيضا سمّي رؤية.
وإذا ظهر ذلك في
الأولى فاعلم أنّ لإدراك الثانية أيضا مرتبتين ؛
إحداهما : المعرفة
القطعية من طريق الأثر
والاخرى :
استكمالها بزيادة الكشف بانفتاح بصر النفس
وبينهما من
التفاوت في زيادته أكثر ممّا بين المتخيّل والمرئي ؛ وهذا / A
٤
/ هو اللقاء والمشاهدة ؛ وإنّما يحصل ذلك بتجرّد النفس وخلاصها عن قشور البدن ؛
لأنّها ما دامت محفوفة بعوارضه ومقيّدة بسلاسل الطبيعة وأغلالها تمتنع مشاهدتها
للمعلومات المتعالية عن حيطة الخيال ؛ لأنّها حجاب عنها ، كما أنّ الأجفان حجاب عن رؤية البصر ؛ فإذا ارتفع الحجاب عنها بالموت : فإن
حصل لها في الدنيا بذر المشاهدة ـ أعني المعرفة ـ وما هو بمنزلة تصفية الأرض عن
الأشواك ـ أعني التخلّي عن الرذائل ـ انقلب معرفته في الآخرة
مشاهدة ، كما ينقلب النواة
__________________