خلافه ؛ لأنّ كلّ ثبوت ووجود من تلقاء فيضه سبحانه ، والماهيّات في أنفسها أعدام صرفة لا تقرّر لها بوجه. نعم لو قيل بوجوب ذلك الثبوت العلمي بذاته وكونه في مرتبة وجود الواجب ـ كما قال بعضهم ـ لأمكن القول بكون موجودية الماهيّات أو الوجودات الخاصّة بالانتساب الذي لا يتوقّف على وجود أحد الطرفين الذي هو الوجودات الخاصّة أو الماهيّات إلّا أنّ هذا (١) القول بيّن الفساد.
فالحقّ أنّ الموجودات العلمية كالعينية مجعولة معلولة ؛ أي تابعة لذات الواجب مترتّبة عليه بالذات. فذات الواجب سبحانه علّة لتمثّل نظام الكلّ في ذاته ومترتّبة عليه ، كما أنّه علّة لظهوره في الخارج وترتّبه عليه فيه.
ثمّ الواجب كما أنّه علّة تامّة لإيجاد الكلّ فكذلك علّة تامّة للعلم به من دون توقّف على شرط واستعداد ؛ وبعض المدارك كالنفس الإنسانية لمّا لم يكن بذاته علّة لارتسام الأشياء / A ٥٧ / في ذاتها ، بل فيضان الصور وارتسامها فيها على حسب استعدادها وحصول شرائطها ؛ فلا تترتّب (٢) الصور العلمية على مجرّد ذاتها ، بل يحصل الصور فيها على حسب استعدادها وتهيّأها.
وعلى هذا فالمراد من الآية والحديث أنّ الوجودات الممكنة كلّها مجعولة ؛ والثبوت العلمي أيضا مجعول مفاض من الواجب تعالى إلّا أنّ مراتبها لمّا كانت متفاوتة فالثبوت العلمي لضعفه وعدم ترتّب أثر عليه وعلى الماهيّات في تلك المرتبة إلّا أنّ كونها منشأ للعلم سمّي ذلك الثبوت ثبوتا علميا وسمّيت الماهيّات في تلك المرتبة أعيانا ثابتة وسمّي كلاهما ظلمة وظلمات بالنسبة إلى نور الوجود الذي يفيضه الجاعل بعد تلك المرتبة بحيث تعرضه الماهيّات وتوابعها ويصير هذا الوجود وكذا الماهيّات معه منشأ للآثار الخارجية ولذلك سمّي الوجود في المرتبة الثانية نورا.
__________________
(١). س : هذ.
(٢). س : فلا ترتّب.