المستند إلى أسباب سماوية وأرضية تصير مادّة لمني إنسان أو حيوان وهو مادّة لبدن إنسان أو فرس وهكذا إلى ما يرجع بالانحلال إلى البسائط ؛ وفي جميع المراتب تكون المادّة مادّة لتشخّص من النوع بسبب حصول استعداد خاصّ يوجب هذا الوجود الشخصي.
وإذ عرفت ذلك فاعلم أنّه قد ورد عن مشايخ الصوفية في بيان وحدة الوجود مقالات مخالف ظاهرها القواعد العقلية والنقلية كقولهم : «إنّ الوجود واحد سار في هياكل الماهيّات سريانا مجهول الكنه» وقولهم : «إنّ الواجب هو الوجود المطلق» و «إنّه أظهر الأشياء وهو عينها» و «إنّ حقيقة / A ٤١ / الوجود شيء واحد وهو عينه تعالى وقد تلبّست بملابس الأكوان وتعيّنت بماهيّات الأعيان وتجلّت في المظاهر والمجالي وتكثّرت بالظهور في السوافل والعوالي وكلّها من شئوناته الطارية واعتباراته العارضة وتطوّراته اللاحقة» وقد صرّحوا بأنّ درك ذلك إنّما هو بالكشف والعيان ولا يمكن بالنظر والبرهان ؛ وذكروا لإيضاح ذلك أمثلة كالموج والبحر ، والنور والشمس ، والشجر والنواة ، والنور والظلال ، والواحد والأعداد ، والحروف والمداد ، والشمعة والمرايا ، وغير ذلك ممّا يشابهها ؛ ولا ريب في أنّ من أخذ بظاهر قولهم ربّما وقع في ورطة التمثيل والتشبيه ؛ إذ من شاهد الوجود كلّه واحدا ساريا في الكلّ وما عرف كيفية وحدته ومعيّته فربّما شبّهه بممكن وظنّ أنّه متصوّر بصور الأشياء ، بل ربّما قال : «إنّه هي» نعوذ بالله من ذلك.
وربّما غرق في غمرة الحلول والاتّحاد ؛ إذ من شاهد الوجود الحقّ ظاهرا في مظاهره ومراياه ولم يعرف كيفية ظهوره ولم يفرق بين الظاهر والمظهر ربّما حكم بحلوله فيها أو اتّحاده معها ؛ وهو مذهب النصارى ، بل أشنع منه بكثير ؛ لأنّهم قالوا : إنّ الحقّ حلّ في عيسى عليهالسلام أو اتّحد معه ؛ وذلك يوجب القول بحلوله في جميع عباده أو اتّحاده مع كلّ ما سواه من الموجودات الشريفة والخسيسة. فاللازم من