فقيل : لكلّ استعداد صورة خاصّة ولذا صار عالم العناصر عالم الفساد والأكوان ومحلّ التغيّر والحدثان ؛ وكلّ ما فيه من التغيّر مستند إلى حركات الأفلاك وأشعّة الكواكب ؛ ولدوام حركاتها واختلاف أوضاعها بالقياس إلى العنصريات وكون تأثيرها فيها لأجل أوضاعها اختلف تأثيرها فيها بحسب المكان والزمان ؛ ولمّا لم تكن مادّة شيء من الأفلاك مستعدّة لتغيّر (١) ما لها من الصورة لم تكن في الفلكيات مادّة مشتركة بين الصور المتعدّدة بخلاف مادّة العناصر ؛ فإنّ مادّة كلّ عنصر قابلة لصور متجدّدة غير متناهية ولصور ساير العناصر. فمادّة العناصر مشتركة بين جميع الصور العنصرية ولذلك قال الحكماء : «مادّة العناصر واحدة ومادّة الأفلاك متكثّرة بحسب تكثّر صورها.»
وعلى هذا ، فكلّ معنى نوعي له مادّة خارجية لا بدّ أن تكون مادّته الأولى واحدة ، بل المادّة الأولى لجميع الأنواع والصور واحدة سواء كانت جزء الجسم ـ كما ذهب إليه المشّاءون ـ أو نفس الجسمية البسيطة ـ كما اختاره الإشراقيّون ـ فالمادّة الأولى لجميع العنصريات الواقعة تحت فلك القمر واحدة. فأفاض عليها أوّلا عاشر العقول الفعّالة بإعانة أفلاك أربعة أو أقلّ الصور النوعية البسيطة الأربعة ؛ وتخصيص كلّ منها بجزئه الخاصّ لاختلاف أجزاء المادّة المتّحدة في الاستعداد بحسب قربها وبعدها من الفلك وحركته ؛ فكأنّها انقسمت أوّلا في مرتبة ذاتها المتقدّمة على الصور النوعية إلى أقسام أربعة لأجل اختلاف نسبتها إلى الفلك وحركته. ثمّ أفيضت عليها الصور الأربعة على الترتيب الواقع لأجل المناسبة ؛ وهذا هو السرّ في تكثّر الجسمية المطلقة أوّلا وقبولها الصور النوعية المختلفة مع وحدتها وتشابه أجزائها.
ثمّ هذه العناصر الأربعة تصير مادّة لأفراد الأنواع المركّبة من المواليد الثلاثة ؛
__________________
(١). س : تغير.