ولا نطمئنّ من هذه العبارات أنّ الطبيعة هي الأصل وأنحاء الوجودات عوارضه المتحقّقة بتحقّقها ، بل الأمر بالعكس ؛ فإنّ الوجودات الخاصّة هي الأصل في التحقّق والطبائع ـ أعني الماهيّات ـ متحقّقة بتحقّقها في الخارج ومع قطع النظر عنها معدومة صرفة ـ كما عرفت مرارا ـ ثمّ العقل ينتزع عن كلّ شخص ـ أي وجود خاصّ ممكن ـ هذه الطبيعة ؛ وهي في الجميع متّحدة لكونها مأخوذة من المشترك فيه وإن لم يوجد هو وحده بدون التشخّص في الخارج ؛ ولكونها مجرّدة مأخوذة عن كلّ واحد لا يأبى عن / B ٣٨ / الصدق والحمل على الجميع مع كونها متشخّصة في الذهن ؛ إذ نسبة المجرّد إلى أشخاصه المادّية متساوية.
وبذلك يظهر ـ كما سبق ـ أنّ ما يوجد وتتقوّم به الماهيّة البسيطة أو المركّبة هو مبدأ الفصل الأخير ـ أعني المشخّص الذي هو نحو الوجود ـ وساير ما يوجد منها ويتّحد بها من الفصول والصور بمنزلة اللوازم الوجودية لهذا المبدأ وإن كان كلّ منها مقوّما لحقيقة اخرى بحسب وجودها. فحقائق الفصول ليست إلّا الوجودات الخاصّة التي هي أشخاص حقيقية. فالموجود من كلّ شيء في الخارج هو نفس الوجود والعقل ينتزع عن نفس ذاته مفهومات كلّية عامّة أو خاصّة ومن عارضه أيضا كذلك ؛ فيحكم عليها بمفهومات جنسية وفصلية وعرضية عامّة أو خاصّة ؛ فما يحصل في العقل من نفس ذاته يسمّى بالذاتيات وما يحصل فيه من جهة اخرى يسمّى بالعرضيات. فالذاتي متّحد معه ومحمول عليه بالذات والعرضي بالعرض.
فالمراد من وجود الطبيعي (١) في الخارج أنّ الماهيّة من حيث هي في ضمن الشخص موجودة بمعنى أنّها موجودة بوجوده ؛ أي موجودة معه بوجود واحد لا بوجود مغاير ، بأن ينسب الوجود إليها كما ينسب إليه ، كما نسب إلى الحكيم ولا
__________________
(١). س : الصبيعى.