إيجاد أمر مباين عن ذات الجاعل هو الوجود الخاصّ أو الماهيّة.
وأمّا الصوفية فلقولهم بوحدتهما وعدم المباينة بين العلّة والمعلول فالجعل عندهم بنحو آخر يعبّر عنه / A ٣٨ / تارة بتجلّي الحقّ وآخر بانبساط المطلق وأمثال ذلك ، بل الخلاف بين الصوفية وغيرهم راجع في الحقيقة إلى كيفية الجعل ؛ إذ الكلّ متّفقون على أنّ الواجب واحد هو صرف الوجود وإنّما الخلاف في أنّ ما صدر عنه بالجعل بالترتيب اللائق هل هو امور متحصّلة متحقّقة مباينة عن ذاته أو امور اعتبارية هي شئوناته وتطوّراته؟ فذهب الصوفية إلى الثاني وغيرهم إلى الأوّل ؛ ولمّا كان تحقيق ذلك من أهمّ المقاصد ـ إذ يبنى عليه أكثر المطالب ـ فلنشر إلى ما ذكروه في بيان وحدة الوجود ثمّ نأتي بما هو الحقّ عندنا وقبل ذلك لا بدّ أن نشير إلى كيفية وجود الكلّي الطبيعي. فنقول :
عدم وجود الطبيعي ـ أي الماهيّة من حيث هي بوصف الاشتراك ـ في الخارج مجمع عليه وإنّما الخلاف في وجوده في ضمن الأشخاص بوجود مغاير لوجودها أو بوجودها ؛ أي كون وجوده بمعنى وجودها وموجوديتهما بوجود واحد هو وجودها.
والحقّ الأخير ، لاستحالة الوجود في الخارج بدون التشخّص ؛ فإن تغاير الوجودان فمع تحقّق وجوده بتشخّص الفرد ترتفع المغايرة ويلزم الخلف ؛ وبغيره يلزم التسلسل ووجود ما لا يتناهى في الخارج ؛ فالموجود فيه هو الشخص ؛ أي الطبيعة بنحو وجودها اللازم لها فيه ؛ لما مرّ من أنّ المشخّص نحو الوجود وتلزمه عوارض معيّنة ؛ فهي شيء واحد بالعموم له أنحاء من الوجود فيه ولا يتحقّق إلّا مع واحد منها ؛ وإن شئت قلت : شيء واحد ذو درجات وتنزّلات يحصل بفعلية كلّ منها شخص خارجي ؛ وإن شئت قلت : شيء مطلق له قيودات يحصل بكلّ منها شخص في الخارج.