ثمّ المعروف من بعض مشايخ الصوفية أنّ المجعول أوّلا هو الوجود المنبسط ؛ فإنّ للوجود عندهم مراتب ثلاث :
الأولى : الوجود الذي لا يتعلّق بغير ولا يتقيّد بقيد ؛ وهو مبدأ الكلّ.
الثانية : الوجود المتعلّق بغير ، كالعقول والنفوس والطبائع والأجرام والموادّ.
الثالثة : الوجود المنبسط الذي شموله وانبساطه على هياكل الأعيان والماهيّات ليس كشمول الطبائع الكلّية والماهيّات العقلية ، بل على وجه يعرفه العارفون ولا يهتدي إليه إلّا الراسخون ؛ ويسمّونه بالنّفس الرحماني اقتباسا من قوله تعالى : (وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ) (١) وهو الصادر الأوّل في الممكنات عن العلّة الأولى بالحقيقة ويسمّونه بالحقّ المخلوق به وهو أصل وجود العالم وحياته ونوره الساري في جميع ما في السموات والأرض في كلّ بحسبه حتّى أنّه يكون في العقل عقلا وفي النفس نفسا وفي الطبع طبعا وفي الجسم جسما وفي الجوهر جوهرا وفي العرض عرضا ونسبته إليه تعالى كنسبة النور المحسوس والضوء المنبثّ على الأجرام العلوية والسفلية إلى الشمس وهو غير الوجود الإثباتي الرابطي الذي كسائر المفهومات الكلّية والعقلية لا يتعلّق بها جعل وتأثير ووجودها نفس حصولها في الذهن كما هو الشأن في جميع المعقولات المتأصّلة ؛ فإنّه لا ريب في أنّ لها وجودا لكن وجودها نفس حصولها في الذهن ، بل الحكم كذلك في مفهوم العدم واللاشيء واللاممكن واللامجعول ؛ (٢) فإنّه لا فرق بين هذه المفهومات وغيرها من المفهومات في كونها ليست إلّا حكايات وعنوانات لامور إلّا في أنّ أمثال هذه المفهومات عنوانات لامور باطلة الذوات وغيرها عنوان لحقيقة موجودة.
ولا يخفى أنّ الحكماء لقولهم بتعدّد الوجود والموجود ذهبوا إلى أنّ الجعل
__________________
(١). الأعراف / ١٥٦.
(٢). س : الا شيء والا ممكن والا مجعول.