هو ملاك حكم العقل ؛ إذا التكليف في كليهما ينحلّ إلى معلوم تفصيلي ومشكوك بدوي ، فالتكليف بالنسبة إلى القدر المتيقّن في كلا المقامين معلوم ، وبالنسبة إلى الزائد مشكوك ، فيشترك المقامان في حكم العقل بالبراءة عن التكليف بالزائد.
والحاصل أنّ الشكّ في المقام مركّب من جهتين ، الاولى : كونه شكّا في الأقلّ والأكثر الارتباطيين ، والثاني : كونه شكّا موضوعيّا ، ونحن إذا حكمنا بالبراءة في كلّ من الشكّين عند انفراده عن الآخر ، فكيف نتوقّف عند اجتماعهما؟
وحاصل الدفع أنّه لو كان الحكم متعلّقا بالخارجيّات كما هو مبنى القائل بالامتناع في مبحث اجتماع الأمر والنهى ، كان ما ذكر حقّا ؛ إذ ليس النهى عن صرف الوجود إلّا راجعا إلى النهى عن هذا وهذا إلى آخر الأفراد ، وهكذا الأمر بالطبيعة أو النهى عنها باعتبار مجموع الوجودات ، وأمّا إذا قلنا بأنّ الأحكام لا يتعلّق بالخارجيّات بل بنفس العناوين كما هو مبنى القائل بالاجتماع فحينئذ وإن كان المقام ليس من باب الشكّ في المحصّل ، وذلك لأنّ الشكّ هنا في الانطباق وعدمه ، ولكن ما هو الملاك في ذلك المقام بعينه موجود هنا ، وهو أنّه لا شكّ في الحكم ولا في متعلّقه ، وبعده لا محيص عن الخروج عن العهدة ، فإنّه من هناك أصل إيجاب الطهارة معلوم ، والطهارة أيضا مفهوم مبيّن لا إجمال فيه بحسب المفهوم ، وبعد ذلك مجرّد الشكّ في مقام الانطباق لا يجدى شيئا ، فكذلك نقول في المقام حرفا بحرف.
والحقّ عدم جريان البراءة ، واستقلال العقل بالاحتياط ، وفساد هذا الكلام وبيانه يتوقّف على تقديم مقدّمة وهي أنّ التكليف متعلّق بالطبيعة ، وأمّا سرايته إلى الفرد فهي عقلي ، وما وقع موردا لحكم الشرع ويكون المكلّف مأخوذا به ومسئولا عنه إنّما هو نفس الحقيقة المعرّاة عن الخصوصيّات ، فليس شيء من الأفراد والأشخاص متعلّقا للتكليف في نظر الشارع والحاكم ، (١) بمعنى أنّ القدر
__________________
(١) غاية ما يتوهّم للفرق بين الشبهة الحكميّة والموضوعيّة في ما كان متعلّق الحكم هو الطبيعة