نعم يكون هذا الاستصحاب نافعا للتمسّك بالحديث على قول من لا يرى استصحاب العدم الأزلي جاريا مثل شيخنا المرتضى ، فإنّه قائل بأنّ مورد الاستصحاب لا بدّ أن يكون شيئا قابلا للجعل بالاستصحاب ، فلو كان ممّا لا يقبل الجعل فلا يجري فيه الاستصحاب إلّا بواسطة ما يقبله ، فالعدم الأزلي لا يصير مجرى للاستصحاب إلّا أن يكون موضوعا لأثر شرعي ، لأنّ العدم ليس قابلا للجعل ، وإنّما هو مسبّب عن عدم الجعل ، فعلى هذا يستصحب عدم ورود النهي الثابت في الأزل فيرتّب عليه أثره الشرعي الذي رتّب عليه بمقتضى هذا الحديث وهو الإباحة والإطلاق.
وأمّا على ما نختاره كما يأتى في محلّه إن شاء الله تعالى من جريان الاستصحابات العدميّة فلا يكون هذا الاستصحاب نافعا بحال الحديث ، لكونه مغنيا عن التمسّك به ، وبالجملة ، فعلى المختار لا يكون التمسّك بالحديث بناء على المعنى المذكور صحيحا ، لأنّه مع قطع النظر عن الاستصحاب يكون من باب التمسّك بالعام في الشبهة المصداقيّة ، ومع ملاحظة جريانه فلا حاجة إلى التمسّك بالحديث.
هذا تمام الكلام في الأدلّة اللفظيّة التي اقيم على البراءة ، وقد عرفت أنّ أقواها
__________________
ـ المتعارف ، لا من مثل النقل من صدر إمام إلى صدر إمام آخر ، فيكون المعنى أنّ النهى المجعول الواقعى الغير الوارد على نحو ورود سائر الأحكام لا يضرّ مخالفته ، فقيد عدم الورود يحرز بالاستصحاب.
نعم هذا لا ينفع في بعض الموارد وهو ما إذا ورد نهى وإباحة ولم يعلم المتقدّم من المتأخّر ، ولا يمكن التّمسك بعدم القول بالفصل بمعنى أنّه بعد ما ثبت في بعض موارد الجهل بورود النهى الحكم بالحليّة والإطلاق يثبت في سائرها بعدم الفصل ، وجه عدم الإمكان أنّه إنّما يمكن لو كان المثبت للحلّية في البعض دليلا ، لا ما إذا كان أصلا كما هو المفروض ؛ إذ ليس في البين إلّا مجرّد ملازمة بين الحليّة في الموردين ، ولا يثبت الملازم بالأصل إلّا إذا كانت الملازمة سارية إلى مرتبة الظاهر ، فإنّ الملازم حينئذ يثبت بالأصل أيضا ، كما يدّعى في الماء المتمّم والمتمّم. منه قدسسره الشريف.