المولى : يا فلان ، مناديا لأحد عبيده باسمه ، حيث يفهمون أنّه بملاك يشمل سائر العبيد ، أو قولك : ينبغي للإنسان أن يحفظ قبائه من القذارة ، حيث يفهم أنّه بملاك يشمل اللبّادة وسائر اللباس ، فإنّه إذا قيل : لا ينبغي رفع اليد عن اليقين بالشكّ ، يفهمون أنّه بملاك مطلق عدم الحيرة عن الواقع وثبوته في اليد ولو بحجّة غير علميّة ، وإذن فيراد بالشكّ ما يقابله وهو عدم الطريق ، فعند قيام الطريق يرتفع موضوع عدم الطريق وجدانا.
لا يقال : كما يكون الشكّ في الاصول بهذا المعنى ، كذلك في جانب الطريق ؛ إذ لا شكّ أنّ التعبّد إنّما يصحّ في مورد عدم العلم ، فدليل اعتبار الطريق حيث إنّه تعبّد يكون مختصّا بغير العالم ، فيراد بعدم العلم المعتبر فيه عقلا أيضا عدم الطريق للمناسبة المقاميّة.
لأنّا نقول : ليس في دليل اعتبار الطريق لفظ اليقين أو الشكّ مذكورا ، وإنّما ورد التعبّد على سبيل الإطلاق ، والمناسبة المقاميّة مستفادة من ذينك اللفظين ، نعم العقل حاكم بالتقييد ، والقدر المسلّم الحاكم به العقل إنّما هو عدم العلم بمعنى الصفة ، والزائد عليه تقييد بلا داع يقتضيه.
وإذن فيلزم من تقديم دليل الطريق التخصّص في دليل الأصل ، ويلزم من تقديم الأصل التخصيص في دليل الأمارة ، وإذا دار الأمر بين الأمرين فالتخصّص أولى.
وهنا تقريب آخر للورود اختاره بعض الأساطين طاب ثراه ، وهو أنّ الشكّ وإن كان باقيا ، إلّا أنّ ما تعلّق النهي به وهو نقض اليقين بالشكّ يرتفع بعد قيام الأمارة ، فيصير النقض بالأمارة لا بالشكّ.
فإن قلت : قد جعل الغاية هو اليقين ؛ لقوله : بل انقضه بيقين آخر.
قلت : الطريق أيضا مفيد لليقين ، غاية الأمر بالحكم الظاهري لا الواقعي.
والحاصل أنّ كلّا من الطريق والاصل مشتركان في أنّه يحصل بسببهما اليقين مع وجود الشكّ في الواقع بوجه في كليهما ، ولكنّ الفرق أنّ العلم جعل غاية في أدلّة الاصول ، ولم يجعل كذلك في أدلّة الطرق فمع تقديم الاصل يلزم تخصيص دليل