والمقصود بالبحث هنا القسم الأوّل أعني الشكّ في حقيقة التكليف ، وهو إمّا أن يكون في الحكم الكلّي الإلهي كالشكّ في حكم شرب التتن أنّه الحليّة أو الحرمة ، ومعياره ما كان رفعه بيد الشارع ومن وظيفته ، وإمّا في الحكم الجزئي كالشكّ في حرمة مائع خاص لأجل الشكّ في كونه خمرا أو ماء ، ومعياره ما لم يكن رفعه من وظيفة الشارع.
ثمّ كلّ من القسمين إمّا يكون الاشتباه والترديد فيه بين الحرمة وغير الوجوب ، وإمّا يكون بين الوجوب وغير الحرمة ، والمبحوث عنه في مبحث البراءة الذي هو محلّ النزاع بين الاصوليين والأخباريين إنّما هو الشبهة في الحكم الكلّي بعد الفحص واليأس عن الظفر بالدليل مع تردّد الأمر بين الحرمة وغير الوجوب ، أو الوجوب مع غير الحرمة مع عدم الحالة السابقة التكليفية. وأمّا الشبهة في الحكم الجزئي فإنّما يذكر تطفّلا.
ثمّ الشكّ في الحكم الكلّي المردّد بين الحرمة وغير الوجوب أو العكس منشائه أحد امور ثلاثة ، إمّا فقد النص ، وإمّا إجماله ، وإمّا تعارض النّصين ، والكلام في كلّ من هذه الأقسام إنّما هو في مقتضى القاعدة الأوّليّة العقليّة مع قطع النظر عن الثانويّة التعبديّة ، ولا شكّ أنّ الكلام من هذه الجهة أعني من حيث حكم العقل من البراءة أو الاحتياط لا يتفاوت فيه الحال بحسب هذه الأقسام الثلاثة حتّى نحتاج لكلّ إلى عقد باب على حدة والتكلّم في كلّ على انفراده.
نعم غاية ما في الباب أنّه بعد الفراغ عن القاعدة الأوّليّة المشتركة بين الجميع ينفرد الأخير منها ، وهو ما كان منشأ الشكّ فيه تعارض النصّين بوجود القاعدة الثانويّة التعبديّة فيه على خلاف القاعدة الأوّليّة وهو الرجوع إلى أرجحهما سندا لو كان ، وإلّا فإلى أحد المتعارضين على سبيل التخيير.
وحينئذ نقول : من المسلّم عند من قال بالحسن والقبح من الأخباري و