وحينئذ فنقول : هذا التقريب يتمّ في الشبهة الموضوعيّة أيضا وينحسم به مادّة الإشكال بالمرّة ، فإنّه حينئذ يقال : كما لو قام البيّنة على نجاسة المعيّن من الإنائين ثمّ حصل العلم بنجاسة أحدهما كان ذلك موجبا للانحلال بلا إشكال بالنسبة إلى أصل الحجّة الذي هو الجامع بين العلم والحجّة المجعولة ، إذ هذا الجامع كان قائما في هذا المعيّن مفصّلا ومشخّصا ومتحقّقا في ضمن هذا الخاصّ الذي هو البيّنة ، فإذا حصل العلم الذي هو فرد آخر له بنجاسة أحدهما إجمالا يمنع البيّنة المتقدّمة على التفصيل من حصول الإجمال في متعلّق هذا الجامع ، بل ينطبق الجامع في الإجماع على الجامع في التفصيل ، بمعنى أنّ قيام هذا المعنى الجامع في هذا الإناء المعيّن مشخّصا مانع من قيامه على هذا أو هذا.
فكذلك الكلام بعينه في صورة العكس أعني قيام البيّنة على نجاسة المعيّن من السابق بعد العلم الإجمالي بنجاسة أحدهما ، فإنّه يقال حينئذ : قام الحجّة من الأوّل على هذا أو هذا ، وقام في الثاني على هذا مشخّصا من الأوّل ، ولم يقم على ذلك مشخّصا من الأوّل.
وبالجملة ، الحال في صورة العكس هو الحال بعينه في صورة العلم التفصيلي الحاصل بعد العلم الإجمالي ، كما لو علم إجمالا في يوم السبت على نجاسة هذا أو هذا ، ثمّ علم تفصيلا في يوم الأحد نجاسة هذا في يوم السبت وشكّ في حال الآخر ، فإنّ هذا يوجب بلا إشكال أنّه متى لوحظ الحال بالنسبة إلى السبت في يوم الأحد لم يوجد الإجمال في النفس ، فلا يمكن أن يقال : إنّي أعلم أنّ في السبت إمّا كان هذا نجسا وإمّا ذاك.
وفي ما نحن فيه أيضا لو علم في السبت بنجاسة هذا أو هذا ، ثمّ قام البيّنة في يوم الأحد على نجاسة هذا معيّنا من يوم السبت ، فالمكلّف إذا لاحظ يوم السبت لا يمكنه أن يقول : الحجّة قائمة على هذا أو هذا ، بل يقول : هي قائمة على هذا مشخّصا ، وليست بقائمة على ذاك مشخّصا ، فتأمّل في هذا المقام لعلّك تظفر بحقيقة المرام إن شاء الله الملك العلّام.