في أصالة الحلّ واقعي في كليهما أيضا ، فلا فرق بينهما من هذه الجهة.
والحقّ أن يقال : إنّ دليل الاستصحاب تنزيل للشكّ في النهي السابق أو في موضوعه منزلة اليقين به ، أو يقال : إنّ مفاده إيجاب عمل المتيقّن على الشاك ، وعلى كلا التقديرين تتمّ الحكومة ؛ إذ كما أنّ الحكومة تتمّ بنفي الموضوع كذلك بنفي حكم الموضوع ، فكما أنّ قوله : «لا شكّ لكثير الشكّ» حاكم على أدلّة الشكوك ، فكذلك قوله عليهالسلام : لا حكم لكثير الشكّ.
والفرق بين الوجهين أنّه على الأوّل حيث إنّ لسان الكلام هو التنزيل ، والتنزيل يكون بلحاظ الآثار ، فمعنى نزّل الشكّ منزلة اليقين : رتّب عليه آثار اليقين ، فيكون العمل الخارجي على هذا تابعا للآثار ، وأمّا على الثاني فلا تنزيل في البين ويكون معنى الكلام أوّلا هو الأمر بالعمل الخارجي للمتيقّن.
فلا يرد على هذا ما يورد على الأوّل من أنّ العلم بالتحريم لا أثر له إلّا وجوب الطاعة وهو أثر عقلي فتنزيل الشكّ منزلة اليقين لا يصحّ باعتبار هذا الأثر.
وكيف كان فوجه الحكومة على التقديرين واضح ؛ إذ مفاد أصالة الإباحة هو الحكم بأنّ هذا المشكوك مباح لك أيّها الشّاك ، ومفاد الاستصحاب على الأوّل : نزّل نفسك أيّها الشاك منزلة المتيقّن ، وعلى الثاني : اعمل أيّها الشاك عمل المتيقّن ، ومن الواضح حكومة الثانيين على الأوّل ، هذا على تقدير أخذ الشكّ في الاصول صفة.
وأمّا على تقدير أخذه بمعنى التحيّر وعدم الطريق فحينئذ وإن كان الأخذ بكلّ من أصالة الإباحة والاستصحاب موجبا لرفع التحيّر حقيقة بالنسبة إلى الآخر ، إلّا أنّه مع ذلك يقدّم الاستصحاب ؛ لأنّ مفاد أصالة الإباحة ليس إلّا أنّ هذا الفعل مباح ، فكون المكلّف ذا طريق يحصل في الرتبة المتأخّرة عن هذا الحكم ، فيشترك هذا التقدير مع التقدير السابق في أصل الحكومة ، ويفترقان في ارتفاع الموضوع حقيقة على الثاني دون الأوّل ، وأمّا في الاستصحاب فحصول الطريق وارتفاع التحيّر نفس لسان الدليل ؛ فإنّ الحكم في الاستصحاب على وجه : أنّك ذو طريق ، وعلى آخر : اعمل عمل ذي الطريق.