الحرجين نعلم بأنّ المقتضي وهو منّة الشرع في كلا الفردين موجود تامّ ، وعدم إمكان الجمع بينهما في شمول العموم إنّما هو من جهة عجز المكلّف ، وحينئذ فمجمل الكلام في المقام أنّ الضررين أو الحرجين أو الضرر والحرج إمّا أن يكونا بالنسبة إلى شخص واحد ، وإمّا أن يكونا بالنسبة إلى شخصين.
فإن كانا بالنسبة إلى شخص واحد فلا إشكال في تقديم الأقلّ منهما ؛ لأنّ ذلك مقتضى كون المقام من باب التزاحم ، فإنّ المرفوع جنس الضرر والحرج ، فملاك الرفع في الأكثر أقوى منه في الأقلّ.
وإن كان الأمران بالنسبة إلى شخصين ، فإن كان الضرر والحرج على أحدهما أقلّ قدرا منه على الآخر إمّا من جهة تفاوت الشخصين في الحال ، وإمّا من جهة تفاوت الأمرين في المقدار ، وإمّا من جهتهما معا ، كما إذا جرى الماء وكان قدّامه دور قوم ومزرعة آخرين ، وكان دفعه عن كلّ منهما إرسالا له في الآخر ، فإنّ ضرر خراب الدور على الجماعة الاولى أعظم بمراتب من ضرر غرق المزرعة على الجماعة الثانية.
فحينئذ ترجيح جانب الأقلّ مبنيّ على كون رفع الضرر والحرج دائرا مدار المنّة النوعيّة لا الشخصيّة ، فإنّه لو كان دائرا مدار المنّة الشخصيّة فإيراد الضرر والحرج على كلّ من الشخصين خلاف المنّة الشخصيّة بالنسبة إليه وإن كان سببا لدفع الضرر الكثير في غاية الكثرة عن غيره.
وأمّا إن كان دائرا مدار المنّة النوعيّة فدفع الضرر والحرج الكثيرين بإيراد القليل منهما ولو كان على شخص آخر موافق للمنّة النوعيّة ، فإنّ الشخص الآخر أيضا يندفع عنه الضرر والحرج الكثيران بإيراد القليل منهما على غيره عند ابتلائه بواقعة اخرى ، وعدم الابتلاء في خصوص مقام إنّما ينافي المنّة الشخصيّة لا النوعيّة.
ولا يخفى أنّ الظاهر ورود القاعدتين في مقام المنّة النوعيّة لا الشخصيّة ؛ لأنّ ذلك مقتضى كون العباد بتمامهم ملحوظين في نظر الشارع بنسبة واحدة هو جامع