في تعارض إحداهما بالاخرى أو كلّ منهما بالمثل فقبل الخوض فيه لا بدّ من بيان أن هذا التعارض هل هو من باب التعارض المصطلح أو من باب التزاحم ، والمراد بالتزاحم أن يكون المقتضي في كلا الفردين من عامّ أو من عامّين موجودا تامّا وحصل الإلجاء بإخراج أحدهما عن تحت العموم من جهة عجز المكلّف ، والمراد بالتعارض أن يعلم بواسطة دليل لبيّ أو لفظيّ مجمل بأنّ المقتضي في أحد الفردين من عامّ أو عامين غير موجود ، فشكّ في مرحلة الإثبات في أنّ الخارج هل هو هذا الفرد أو ذاك ، فيقع التعارض بين ظهور العموم في أحدهما وبين ظهور هذا العموم أو العموم الآخر في الفرد الآخر.
فعلى الثاني إن كان ذلك في عامّ واحد لا يمكن الأخذ بعمومه في شيء من الفردين ، ويصير مجملا في كليهما ، فلا بدّ من الرجوع إلى الاصول والقواعد الأخر ، وإن كان في عامّين ، فإن كان أحدهما أظهر في شمول أحد الفردين من شمول الآخر للفرد الآخر كان هو قرينة على صرف ظهور الآخر ، وإلّا يحصل الإجمال أيضا ، وينحصر المرجع في الاصول والقواعد الأخر.
وعلى الأوّل نرجع في جميع هذه الصور إلى العقل ؛ فإنّه حينئذ يغنينا عن الرجوع إلى الشرع إلّا في خصوص تعيين الأهمّ ، فإنّه من وظيفة الشرع ليس إلّا ، نعم حكم الشكّ فيه مستفاد من العقل.
فنقول : الأظهر أنّ التعارض في المقام من قبيل التزاحم ، وذلك لأنّا كما نعلم بأنّ مطلوبيّة إنقاذ الغريق المسلم عند الشرع غير مقيّدة بحال دون حال ؛ إذ معنى تقيّدها بحال أن يكون الشارع رفع اليد عن عبده المسلم في غير هذه الحالة ، ونعلم أيضا بأنّ قبح الظلم عند العقل لا يتقيّد بحال ، بل هو العلّة التامّة للقبح في جميع الأحوال ، كذلك يمكن دعوى أنّ منّة الشارع على العباد برفع الضرر والحرج عنهم لا يتقيّد بحال دون حال ومقام دون مقام ؛ لأنّ معنى تقيّدها بحالة أن يكون الشارع طالبا لإيراد الضرر والحرج على عباده في غير هذه الحالة.
وعلى هذا ففي مورد دوران الأمر بين الضرر والحرج أو بين الضررين أو بين