لكن يرد عليه ـ مضافا إلى أنّ العرف لا يلاحظون حصول النعيم في الآخرة ، بل يصدق عندهم عنوان الضرر والحرج على الضرر النفسي والعرضي والمالي وإن كان بإزائه مثوبة اخرويّة ـ أنّ القاعدتين على هذا لا حكومة لهما على سائر القواعد في موارد ثبوت الضرر والحرج كما يأتي إثباتها في المقام الثالث ، بل يكون لتلك القواعد ورود عليهما ، وذلك لانتفاء موضوع القاعدتين بعد كشف إطلاق تلك القواعد عن ثبوت المنفعة الاخروية في تلك الموارد.
فالأولى أن يقال في دفع أصل الإشكال أنّ معنى نفي الضرر والحرج في الدين نفي الضرر والحرج الحاصلين بعد حفظ أصل الدين ، فلا تتعرّض القاعدة للضرر والحرج الحاصلين بنفس المجعول ، بل تتعرّض للحاصل منهما بواسطة الخصوصيات الخارجة عن المجعول ، مثلا ما يقتضيه طبع الوضوء من الحرج مقدار معيّن ، فإذا زاد على هذا المقدار ما يسمّى حرجا عرفا فلا يستند هذه الزيادة إلى الوضوء ، بل إلى أمر آخر كعلّة مزاج الفاعل أو شدّة برودة الهواء خارجا عن المتعارف أو غير ذلك ، فحينئذ يصدق أنّ في الوضوء قسمين ، قسما حرجيّا يعنى ما يكون الحرج فيه زيادة على حرج أصل الوضوء ، وقسما غير حرجيّ يعنى ما لا يكون الحرج فيه زيادة عليه ، فيصحّ أن يقال : إنّ الحرج في الوضوء منفي ، لا أنّه لا حرج في أصل الوضوء.
وكذلك ما يقتضيه طبع الزكاة من الضرر مقدار معيّن ، فإذا زاد عليه ما يسمّى ضررا عرفا فلا يستند هذه الزيادة الى أصل الزكاة ، بل إلى أمر آخر من ظلم ظالم وغيره ، فيصحّ أن يقال : إنّ في الزكاة قسمين ، قسما ضرريا وقسما غير ضرري ، فالمنفيّ فيها هو القسم الضرري ، لا أنّه لا ضرر في أصل الزكاة.
والحاصل أنّ مفاد القاعدة نفي الضرر والحرج الحاصلين في أقسام المجعولات لا في أنفسها ، وهذا المعنى له ثمرتان ، الاولى : عدم لزوم تخصيص الأكثر كما هو واضح ، والثانية : عدم إمكان التمسّك بالقاعدة لنفي الحكم الحرجي المشكوك الابتدائي ، لما فرض من عدم تعرّضها للحرج الحاصل بأصل الجعل ، و