الاحتياط ؛ لأنّه مقتضى العلم بالاشتغال ، إلّا أنّه مخصوص بصورة كون المفهوم الذي وقع تحت الحكم مسبّبا عن المحصّل بحيث لم يرتبط حكمه بمحصّله مثل الطهارة ، فإنّها حالة نفسانيّة ومحصّلها الغسلتان والمسحتان ، فلو شكّ أنّ الغسل من الأعلى إلى الأسفل أيضا له دخل في حصول طهارة النفس لزم مراعاته لعدم العلم بحصول الطهارة المأمور بها بدونه ، وهذا بخلاف المقام ، حيث إنّ المحلّ والمركب للحكم أوّلا وإن كان أيضا مفهوما مبيّنا ، ولكن يصير بعد التطبيق ، المحلّ والمركب له نفس المصاديق ، فالشكّ في المصداقيّة يكون شكّا في نفس محلّ الحكم لا في محصّله بعد تبيّن نفسه ، فالأصل فيه البراءة لعين ما تقدّم في الصورة السابقة ، غاية الأمر أنّ الرجوع إلى الأقلّ والأكثر كما عرفت يكون هنا من جهتين.
وهذا أيضا يظهر من آية الله الخراساني طاب ثراه (١) حيث إنّه في مبحث الصحيح والأعمّ بعد ما اختار الوضع للصحيح وعدم الجامع بينه وبين الفاسد وثبوته بين الأفراد الصحيحة استشكل على وجود الجامع بين الأفراد الصحيحة بأنّ المشهور مع ذهابهم إلى الوضع للصحيح اختاروا البراءة في بحث الأقلّ والأكثر مع أنّ مقتضى ذلك أن يكون الأصل هو الاحتياط لأنّ المأمور به وهو الأمر البسيط الوحداني الصادق على الأفراد الذي من أثره النهي عن الفحشاء يجب تحصيله ، ومع عدم الشرط المشكوك أو الجزء المشكوك يشكّ في حصوله ، ثمّ أجاب بأنّه يمكن القول بالبراءة مع اختيار هذا الجامع بالفرق بين باب الأسباب والمسبّبات والامور التوليديّة مثل الطهارة ، حيث إنّها عنوان يتولّد من الغسلتين والمسحتين ، فالشكّ فيها يكون مرجعه الاحتياط للجزم بالفراغ ، وبين ما إذا لم يكن المأمور به والمحصّل من هذا الباب وكان من باب المنطبق والمنطبق عليه ، فحينئذ يكون الشكّ في نفس محلّ الأمر ، فيكون الأصل فيه البراءة على ما قرّر في الأقلّ والأكثر.
__________________
(١) لكن صرّح بخلافه ولزوم الاحتياط في الجلد الثاني من الكفاية في التنبيه الثالث من تنبيهات أصالة البراءة ، منه قدسسره الشريف.