وكيف كان فتقريب الاستدلال بهذه الطائفة هو أنّ هذا النهي مفيد للتحريم بقرينة التعليل المذكور في بعض تلك الأخبار من أنّ الوقوف يكون بقباله الاقتحام في الهلكة ، وظاهر الهلكة هي الهلاكة الاخرويّة ، ومن المعلوم أنّ ما يترتّب عليه الهلاك الاخروي لا يكون إلّا طلبا إلزاميّا.
لا يقال : إنّ هذا النهي على ما يظهر من بعض الأخبار ـ حيث عبّر عن الشبهات بحول الحمى ـ إنّما هو بملاحظة خوف انجرار الأمر إلى ارتكاب المحرّمات المعلومة التي هي الحمى ، وإلّا فدخول الحول الذي هو ارتكاب المشتبهات من حيث هو ليس فيه حرمة.
لأنّا نقول : ينافي هذا ما في حديث التثليث من قوله : «وهلك من حيث لا يعلم» ؛ إذ على هذا لا تكون الهلاكة إلّا لأجل ارتكاب المحرّمات المعلومة ، وهذا هلاك من حيث يعلم ، لا من حيث لا يعلم ، فالمراد بالهلاكة هي المترتّبة على نفس ارتكاب الشبهة ، ووجه كونها من حيث لا يعلم عدم العلم بمصادفة العمل الذي فيه احتمال الحرمة واحتمال الحليّة مع الحرمة واقعا.
وقد يجاب عن الاستدلال بهذه الطائفة بأنّ التعليل بالهلاكة يوجب تقييد موضوع هذه الأخبار بالشبهة التي تحقّق فيها البيان ، وهي الشبهة البدويّة قبل الفحص والشبهة المحصورة ؛ إذ هي التي يترتّب عليه الهلاك ، وأمّا الشبهة البدويّة بعد الفحص التي هي محلّ الكلام فحيث لا بيان فيها فلا هلكة بمقتضى حكم العقل بقبح العقاب بلا بيان ، وتحقّق البيان بنفس هذا الأمر المتعلّق بالوقوف مستلزم لكون الحكم محقّقا لموضوعه وهو دور ، فيكون خارجا عن موضوع الأمر بالتوقّف والاحتياط ، فإنّ الحكم دائر مدار العلّة عموما وخصوصا.
فما نحن فيه نظير قول القائل : لا تأكل الرمّان لأنّه حامض ، فإنّ الموضوع وهو الرمّان وإن كان عامّا من حيث نفسه ، لكنّه خاص بالأفراد الحامضة بالنظر إلى التعليل المذكور ، والتعليل وإن لم يكن بمنزلة التقييد حتى لا يجوز التمسّك بالمعلّل عند الشكّ في تحقّق العلّة في بعض الأفراد ، ويكون من باب التمسّك