الثاني يمكن أن يكون جائزا دون الأوّل ، ووجهه أنّ منشأ عدم جزم المكلّف في القسم الأوّل بالحكم الواقعي وشكّه فيه إنّما هو عدم جزمه باجتماع شرائط تنجيز الخطاب ، والتمسّك بأصالة العموم لا يصحّح في حقّه إلّا حكما ظاهريّا ، فإنّه أمارة معمولة لرفع الشكّ ، فجوازه مختصّ بمورد فرغنا عن شرائط توجيهه إلى المكلّف من القدرة وغيرها.
مثلا إذا ورد : أكرم العلماء ، فحصل الشكّ في عمومه للزيد العالم من خصوصيّة خارجيّة فحينئذ وإن لم يحصل العلم بالحكم الواقعي ، لكن يحصل بالحكم الظاهري الجائي من قبل الأمارة ؛ إذ المفروض عدم المانع من قبل المكلّف لتوجيه الخطاب نحوه ، لكونه عاقلا ، وقادرا إلى غير ذلك من شرائط حسن الخطاب ، فإنّه لا فرق في اعتبارها بين الخطاب الواقعي والظاهري كما هو واضح.
وإذن ففي مثل المقام الذي يكون الشكّ في أصل واجديّة المكلّف لشرائط حسن الخطاب كما لم يحصل من أجله العلم بالخطاب الواقعي ، كذلك لم يمكن تحصيل الجزم فيه بالحكم الظاهري أيضا ، فعند إجراء أصالة العموم لا بدّ من إحراز شرائط التكليف ، والمفروض الشكّ فيها.
وبالجملة ، المقصود من التمسّك بهذا الأصل الانتهاء إلى الجزم ولو في مرتبة الظاهر ، وفي هذا المقام لا يمكن الانتهاء إلى الجزم ، بل الشكّ والترديد باق بحاله في مرتبتي الواقع والظاهر جميعا ، وأمّا الفرق بين التنصيص والعموم فلا يكاد يخفي ، حيث إنّ الحاكم في الأوّل لا بدّ وأن يكون متعرّضا لاجتماع المكلّف للشرائط ، وأمّا في العموم فلا نظر له فيه إلى وجود تلك الشرائط في جميع الأفراد ، ولهذا يتمّ الاستكشاف المذكور في التنصيص دون العموم.
فإن قلت : إذا كان وجه عدم التمسّك بالعموم أو الإطلاق عدم كون الأدلّة الشرعيّة ناظرة إلّا إلى الجهات الراجعة إلى الغرض دون الجهات الراجعة إلى