من هذين الحكمين له إطلاق بالنسبة إلى فعل متعلّق الآخر وتركه ، فكأنه قيل : أنت مرخّص في هذا سواء تركت ذاك أم فعلته ، ومرخّص في ذاك سواء تركت هذا أم فعلته ، ولا إشكال أنّ الأخذ بهذا الإطلاق يوجب المحذور العقلي وهو الترخيص في المعصية والمخالفة القطعيّة كما هو واضح.
فلا محيص عن رفع اليد عنه على قدر هذا المحذور وإبقائه في غيره ، فيصير المتحصّل من هذا هو الترخيص في أحدهما ؛ لأنّ الكلام بعد التقييد العقلي يصير بمنزلة أن يقال في الشبهة التحريميّة : أنت مرخّص في فعل هذا إن تركت ذاك ، وفي فعل ذاك إن تركت هذا ، وفي الشبهة الوجوبيّة : أنت مرخّص في ترك هذا إن فعلت ذاك وبالعكس ، ويكون المحصّل في الأوّل هو الرخصة في فعل أحدهما ، وفي الثاني في ترك أحدهما كما هو واضح.
ثمّ هذا الشرط من الشروط المقارنة التي يحدث عند أوّل وجودها المشروط ، ولا إشكال في إمكانه كالشرط السابق واللاحق ، ألا ترى أن لو طلب العدو حين عدو الزيد فيكون عدو الزيد مقدّمة مقارنة لمطلوبيّة العدو ، بحيث يجب أن لا يؤخّر الفعل حتّى تحصل المقارنة ، ومن هذا القبيل أيضا الواجبات المعلّقة بالوقت الخاص مثل : إذا دخل الظهر فافعل كذا ، حيث إنّ الوجوب يحدث مقارنا لدخول الوقت لا متأخّرا عنه ، ومثل ذلك المقام ، حيث إنّ حكم الترخيص في فعل هذا يحدث مقارنا لترك ذاك وبالعكس ، أو في تركه مقارنا لفعل ذاك وبالعكس.
فإن قلت : لا بدّ من رفع اليد عن هذا الإطلاق رأسا للمحذور المذكور ، والتقييد المذكور لا يوجب التفصّي عن المحذور ، للزومه معه في بعض الصور ؛ إذ يلزم في الشبهة التحريميّة ثبوت الترخيص في فعل كليهما في ظرف كون المكلّف تاركا لكليهما إلى الأبد ، وفي الوجوبيّة كونه مرخّصا في ترك الجميع على تقدير فعل الجميع ، لوضوح أنّ شرط كلا الترخيصين أعني ترخيص هذا وترخيص ذاك حاصل في هذا التقدير ، فيلزم المحذور في هذا التقدير ، فلهذا يجب رفع اليد عن الإطلاق رأسا.