وحينئذ نقول إطلاق مادّة «أنقذ» يدلّ على وجود مقتضي المطلوبيّة في نفس إنقاذ الغريق ولو في المورد الذي لا يحسن التكليف والإلزام به ، لأجل عدم قدرة المكلّف ، وبعد هذا فيحصل لنا مقتضيان للطلب متزاحمان لا يمكن الجمع بينهما ، فيتمحّض الحكم حينئذ للعقل بعد انقطاع اليد عن ظهور اللفظ ، فإن كان أحد الغريقين فيه جهة أهميّة بنظر الشارع كالعالميّة أو الهاشميّة ونحو ذلك نحكم بتعيّن اختياره وتقديمه على الآخر ، لوضوح أنّ الغرض الأقوى أولى بالإدراك والأضعف بالفوت عند الدوران بينهما.
وإن لم يكن في أحدهما جهة مزيّة كانت مرجّحة له بنظر الشرع ، فالعقل يستقلّ بوجوب المبادرة إلى درك أحدهما مخيّرا في التعيين بينهما وعدم جواز تفويت كليهما ، لوضوح أنّ رفع اليد عن الغرضين المستقلّين كليهما بمحض عدم إمكان الجمع بينهما لا يرتضيه عاقل ، فكيف بالشارع الحكيم ، فالعبد يقطع بعد ملاحظة ذلك بأنّ لفظ المولى وإن كان قاصرا عن شمول شيء من الأمرين ، ولكن نفسه غير راض بإهمال الجميع ؛ إذ فيه تفويت الغرض منه بلا جهة بحيث لو كان المولى الظاهري حاضرا لأمر بدرك أحدهما على التخيير ، فلهذا يكون العقل باعثا ومحرّكا إلى درك الأحد التخييري ، فالتخيير حكم استقلّ به العقل من دون دخل للشرع فيه ، ولكن بعد حفظ مقدّمة من ظهور اللفظ وهو تماميّة الاقتضاء في كلّ من الامور كما فرضنا استفادته من إطلاق المادّة.
وبالجملة فنقول في المقام بعد حفظ هذه المقدّمة اللفظيّة التي هي مسلّمة ، ضرورة أنّ قوله : كلّ مشكوك مباح له ظهور في أنّ نفس الشكّ له اقتضاء الإباحة ويكون الحكم بالإباحة من جهة اقتضاء الشكّ إيّاها ، لا من جهة اللااقتضاء كما في إباحة بعض الأشياء: بأنّ إجراء كلّ من هذين المقتضيين على اقتضائهما إذا لم يمكن عقلا فلا وجه لإهمال الجميع ، بل اللازم إعمال هذا الاقتضاء في أحدهما تخييرا بمقتضى المقدّمة العقليّة من أنّه إذا لم يمكن الجمع بين الغرضين فلا وجه لرفع اليد عن الجميع ، فبظهور اللفظ أعني إطلاق المادّة يتحقّق موضوع هذه