ذكره يسير مسير الشمس (١) في الآفاق ، ويوقف على نضارة حدائقه نظرات الأحداق ، وورثنا منه حسن الإخاء لكم ، والوفاء بعهود مودة تشبه في اللطف شمائلكم ، وأما الهناء بوراثة ملكه ، والانخراط مع الملوك في سلكه ، قد شكرنا لكم منحى هذه المنحة ، وقابلناها بثناء يعطّر النسيم في كل نفحه ، ووقفنا عليها حمدا جعل الود علينا إيراده (٢) وعلى أنفاس سرحة الروض شرحه ، وتحققنا به حسن ودكم الجميل ، وكريم إخائكم الذي لا يميد طود رسوخه ولا يميل (٣).
وأما ما ذكرتموه من أمر المصحفين الشريفين اللذين وقفتموهما على الحرمين المنيفين ، وأنكم جهزتم كاتبكم الفقيه الأجلّ الأسنى الأسمى أبا المجد ابن كاتبكم أبي عبد الله بن أبي مدين أعزه الله تعالى لتفقد أحوالهما ، والنظر في أمر أوقافهما ، فقد وصل المذكور بمن معه في حرز السلامة وأكرمنا نزلهم ، وسهلنا بالترحيب سبلهم ، وجمعنا على بذل الإحسان إليهم شملهم ، وحضر المذكور بين أيدينا وقربناه ، وسمعنا كلامه وخاطبناه ، وأمرنا في أمر المصحفين الشريفين بما أشرتم ، ورسمنا لنوابنا في نواحي أوقافهما بما ذكرتم ، وهذا الوقف المبرور جار على أحسن عادة ألفها ، وأثبت قاعدة عرفها ، مرعيّ الجوانب ، محمي المنازل والمضارب ، آمن من إزالة رسمه ، أو إزالة حكمه ، بدره أبدا في مطالع تمه ، وزهره دائما يرقص على (٤) كمه ، لا يزداد إلا تخليدا ، ولا إطلاق ثبوته إلا تقييدا ، ولا عنق اجتهاده إلا تقليدا (٥) ، جريا على قاعدة (٦) أوقاف ممالكنا ، وعادة (٧) تصرفاتنا في مسالكنا ، وله مزيد الرعاية ، وإفادة الحماية ، ووفادة العناية.
وأما ما وصفتموه من أمر الجزيرة الخضراء وما لاقاه أهلها ، ومني به من الكفار حزنها وسهلها (٨) ، فإنه شقّ علينا سماعه الذي أنكى أهل الإيمان ، وعدّد به نوب الزمان (٩) ، كل قلب بأنامل الخفقان ، وطالما فزتم بالظفر ، ورزقتم النصر على عدوّكم فجر ذيل الهزيمة وفرّ ، ولكن الحروب سجال ، وكل زمان لدوائه دولة ولرجائه رجال ، ولو أمكنت المساعدة لطارت بنا إليكم عقبان الجياد المسوّمة ، وسالت على عدوّكم أباطحهم بقسينا المعوجة وسهامنا المقوّمة ، وكحلنا عيون النجوم بمراود الرماح (١٠) ، وجعلنا ليل العجاج (١١) ممزقا ببروق الصفاح ،
__________________
(١) في ه «يسير سير الشمس».
(٢) في نسخة عند ه «أبراده».
(٣) ماد : تحرك واضطرب. والطود : الجبل.
(٤) في ب «يرقص في كمه».
(٥) التقليد : وضع القلادة.
(٦) في ب ، ه «جريا على عادة».
(٧) في ب ، ه «وقاعدة تصرفاتنا».
(٨) الحزن من الأرض : الصعب الوعر.
(٩) في ب ، ه «ذنوب الزمان».
(١٠) مراود : جمع مرود ، وهو الميل الذي يكتحل به.
(١١) العجاج : الغبار.