المسلمين أبي يوسف يعقوب بن عبد الحق ، أمدّه الله بالظفر ، وقرن عزمه بالتأييد في الآصال والبكر (١)!.
سلام وشّت البروق وشائعه (٢) ، وادّخرت الكواكب ودائعه ، استوعب الزمان ماضيه ومستقبله ومضارعه ، وثناء اتخذ النفحات المسكية طلائعه ، ونبه للتغريد في الروض سواجعه ، وجلّى في كاسه من الشفق المحمر مدامه من النجوم فواقعه.
[أما](٣) بعد حمد الله على نعم أدت لنا الأمانة في عود سلطنة والدنا الموروثة ، وأجلستنا على سرير مملكة زرابيّها بين النجوم مبثوثة (٤) ، وأحسنت بنا الخلف عن سلف عهوده في الأعناق غير منكورة ولا منكوثة ، وصلاته على سيدنا محمد عبده ورسوله ، وعلى آله وصحبه الذين بلغ بجهادهم في الكفرة غاية أمله ورسوله ، صلاة تحط بالرضوان سيولها ، وتجر بالغفران ذيولها ، ما تراسل أصحاب ، وتواصل أحباب ، ويوضح للعلم الكريم ، وورد كتابكم العظيم ، وخطابكم الفائق على الدر النظيم ، تفاخر الخمائل سطوره ، ويصبغ خدّ الورد بالخجل منثوره ، ويحكي الرياض اليانعة فالألفات غصونه والهمزات عليها طيوره ، ويخلع على الآفاق حلل الأيام والليالي فالطّرس صباحه والنّقس ديجوره (٥) ، لفظه يطرب ، ومعناه يعرب فيغرب ، وبلاغته تدلّ على أنه آية لأن شمس بيانها طلعت من المغرب ، فاتخذنا سطوره ريحانا ، ورجّعنا ألفاظه ألحانا ، ورجعنا إلى الجدّ فشبهنا ألفاته بظلال الرماح ، وورقه بصقال الصّفّاح ، وحروفه المفرقة بأفواه الجراح ، وسطوره المنتظمة بالفرسان المزدحمة في يوم الكفاح ، وانتهينا إلى ما أودعتموه من اللفظ المسجوع ، والمعنى الذي يطرب طائره المسموع ، والبلاغة التي فضح المتطبع بيانها المطبوع.
فأما العزاء بأخيكم الوالد قدّس الله روحه وسقى عهده ، وأحسن لسلفه خلفنا بعده ، فلنا برسول الله أسوة حسنة ، ولو لا الوثوق بأنه في عدّة الشهداء ما رأى القلب قراره ولا الطرف وسنه (٦) ، عاش سعيدا يملك الأرض ، ومات شهيدا يفوز بالجنة يوم العرض (٧) ، قد خلد الله
__________________
(١) الآصال : جمع الأصيل ، وهو الوقت بين العصر والمغرب. والبكر : جمع بكرة ، الغدوة وقت الصباح.
(٢) وشائع : جمع وشيعه ، وأراد نسيجه.
(٣) «أما» ساقط من ب.
(٤) الزرابي : ضرب من الثياب ، وفي التنزيل الحكيم (وَزَرابِيُّ مَبْثُوثَةٌ).
(٥) النقس ، بكسر النون : المداد الذي يكتب به ، والطرس : الورق ، والديجور : الظلام الشديد.
(٦) الوسن ، بفتح الواو والسين : النوم.
(٧) يوم العرض : يوم القيامة.