بحار الأنوار

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي

بحار الأنوار

المؤلف:

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي


الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: مؤسسة الوفاء
الطبعة: ٢
الصفحات: ٤١٧
  الجزء ١   الجزء ٢   الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠ الجزء ٢١ الجزء ٢٢ الجزء ٢٣ الجزء ٢٤ الجزء ٢٥ الجزء ٢٦ الجزء ٢٧ الجزء ٢٨ الجزء ٢٩ الجزء ٣٠ الجزء ٣١ الجزء ٣٥ الجزء ٣٦ الجزء ٣٧ الجزء ٣٨ الجزء ٣٩ الجزء ٤٠ الجزء ٤١ الجزء ٤٢ الجزء ٤٣ الجزء ٤٤ الجزء ٤٥ الجزء ٤٦ الجزء ٤٧ الجزء ٤٨ الجزء ٤٩ الجزء ٥٠ الجزء ٥١ الجزء ٥٢ الجزء ٥٣ الجزء ٥٤ الجزء ٥٥ الجزء ٥٦ الجزء ٥٧ الجزء ٥٨ الجزء ٥٩ الجزء ٦٠ الجزء ٦١   الجزء ٦٢ الجزء ٦٣ الجزء ٦٤ الجزء ٦٥ الجزء ٦٦ الجزء ٦٧ الجزء ٦٨ الجزء ٦٩ الجزء ٧٠ الجزء ٧١ الجزء ٧٢ الجزء ٧٣ الجزء ٧٤ الجزء ٧٥ الجزء ٧٦ الجزء ٧٧ الجزء ٧٨ الجزء ٧٩ الجزء ٨٠ الجزء ٨١ الجزء ٨٢ الجزء ٨٣ الجزء ٨٤ الجزء ٨٥ الجزء ٨٦ الجزء ٨٧ الجزء ٨٨ الجزء ٨٩ الجزء ٩٠ الجزء ٩١ الجزء ٩٢ الجزء ٩٣ الجزء ٩٤   الجزء ٩٥ الجزء ٩٦   الجزء ٩٧ الجزء ٩٨ الجزء ٩٩ الجزء ١٠٠ الجزء ١٠١ الجزء ١٠٢ الجزء ١٠٣ الجزء ١٠٤

قال الواقدي : ومضى المسلمون ونزلوا وادي القرى(١) فأقاموا به أياما وساروا حتى نزلوا بمؤته ، وبلغهم أن هرقل ملك الروم قد نزل ماء من مياه البلقاء في بكرو بهراء(٢) ولخم وجذام وغيرهم مائة ألف مقاتل ، وعليهم رجل من بلي ، فأقام المسلمون ليلتين ينظرون في أمرهم وقالوا : نكتب إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فنخبره الخبر ، فإما أن يردنا أو يزيدنا رجلا ، فبينا الناس على ذلك إذجاءهم عبدالله بن رواحة فشجعهم وقال : والله ما كنا نقاتل الناس بكثرة عدد(٣) ، ولا كثرة سلاح ولا كثرة خيل إلا بهذا الدين الذي اكرمنا الله به ، انطلقوا فقاتلوا فقدوالله رأيتنا(٤) يوم بدرما معنا إلا فرسان ، إنما هي إحدى الحسنين : إما الظهور عليهم فذاك ما وعدنا الله ورسوله وليس لوعده خلف ، وإما الشهادة فنحلق بالاخوان نرافقهم في الجنان فشجع الناس على قول ابن رواحة.

قال : وروى أبوهريرة قال : شهدت مؤتة ، فلما رأينا المشركين رأينا ما لا قبل لنا به من العدد والسلاح والكراع والديباج والحرير والذهب ، وفبرق بصري فقال لي ثابت بن أقرم(٥) : مالك يا باهريرة؟ كأنك ترى جموعا كثيرة؟ قلت : نعم قال : لم تشهدنا ببدر ، إنا لم ننصر بالكثرة.

قال : الواقدي : فالتقى القوم فأخذ اللواء زيد بن حارثة فقاتل حتى قتل ، طهنوه بالرماح ، ثم أخذه جعفر فنزل عن فرس له شقراء فعرقبها فقاتل حتى قتل ، قيل : إنه ضربه رجل من الروم فقطعه نصفين فوقع أحد نصفيه في كرم هناك ، فوجد فيه ثلاثون أو بضع وثلاثون جرحا.

قال : وقد روى نافع ، عن ابن عمر أنه وجد في بدن جعفر بن أبي طالب اثنتان وسبعون ضربة وطعنة بالسيوف والرماح.

____________________

(١) في المصدر : فنزلوا وادى القرى.

(٢) بهراء : بطن من قضاعة من قضاعة القحطانية ، وهم بنو بهراء بن عمروبن الحافى بن قضاعة وترجمنا قبل ذلك سائر القبائل.

(٣) في المصدر : بكثرة عدة. (٤) في المصدر : راينا.

(٥) في المصدر : ( ثابت بن ارقم ) وهومن تصحيف الطابع.

٦١

وقال البلادري : قطعت يداه ولذلك قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : « لقد أبدله الله بهما جناحين يطير بهما في الجنة » ولذلك سمي الطيار.

قال : ثم أخذ الراية عبدالله بن رواحة فنكل(١) يسيرا ثم حمل فقاتل حتى قتل ، فلما قتل انهزم المسلمون أسوأ هزيمة كانت في كل وجه ، ثم تراجعوافأخذ اللواء ثابت بن أقرم(٢) وجعل يصيح : يا للانصار ، فثاب إليهم(٣) منهم قليل ، فقال لخالد بن الوليد : خذ اللواء يا أبا سليمان ، قال خالد : لابل خذه أنت فلك سن وقد شهدت بدرا ، قال ثابت : خذه أيها الرجل فوالله ما أخذته إلا لك ، فأخذه خالد و حمل به ساعة وجعل المشركون يحملون عليه حتى دهمه منهم بشر كثير ، فانحاز بالمسلمين وانكشفوا راجعين.

قال الواقدي ، وقد روي أن خالدا ثبت بالناس فلم ينهزموا ، والصحيح أن خالدا انهزم بالناس(٤).

وروى محمد بن أسحاق قال : لما أخذ جعفر بن أبي طالب الراية قاتل قتالا شديدا حتى إذا أثخنه(٥) القتال اقتحم عن فرس له شقراء فعقرها ، ثم قاتل القوم حتى قتل ، فكان جعفر عليه‌السلام أول رجل عقر في الاسلام(٦).

قال الواقدي : وقال عبيدالله بن عبدالله(٧) : ما لقي جيش بعثوا مبعثا مالقي أصحاب مؤتة من أهل المدينة ، لقوهم بالشر حتى أن الرجل لينصرف إلى بيته وأهله فيدق عليهم فيأبون أن يفتحوا له ، يقولون ألا تقدمت مع أصحابك فقتلت ، وجلس الكبراء منهم في بيوتهم استحياء من الناس ، حتى أرسل النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله رجلا رجلا يقول لهم : أنتم الكرار في سبيل الله فخرجوا.

____________________

(١) نكل عن كذا او من كذا : نكص.

(٢) في المصدر : ( ثابت بن ارقم ) وهو من تصحيف الطابع.

(٣) اليه خ ل أقول : يوجد ذلك في المصدر.

(٤) هنا زيادات في المصدر لم يذكرها المصنف راجعه.

(٥) أى أوهنه وأضعفه. وفي المصدر : حتى إذا لحمه القتال.

(٦) وهنا زيادات في المصدر لم يذكرها المصنف اختصارا راجعه.

(٧) في المصدر : عبيدالله بن عبدالله بن عتبة.

٦٢

وروى الواقدي بإسناده(١) عن أسماء بنت عميس قالت : أصبحت في اليوم الذي أصيب فيه وجعفر وأصحابه فأتاني رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وقدمنأت أربعين منا من ادم وعجنت عجينى ، وأخذت بني فغسلت وجوههم ودهنتهم ، فدخل علي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فقال : يا أسماء أين بنو جعفر؟ فجئت بهم إليه فضمهم وشمهم ثم ذرفت عيناه فبكى ، فقلت يا رسول الله لعله بلغك عن جعفر شئ؟ قال : نعم إنه قتل اليوم فقمت أصيح واجتمعت إلي النساء ، فجعل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يقول : يا أسماء لا تقولي هجرا ولا تضربي صدرا ، ثم خرج حتى دخل على ابنته فاطمة عليها‌السلام وهي تقول : واعماه فقال : « على مثل جعفر فلتبك الباكية » ثم قال : « اصنعوالآل جعفر طعاما ، فقد شغلوا عن أنفسهم اليوم(٢) ».

وروى أبوالفرج في كتاب مقاتل الطالبيين أن كنية جعفر بن أبي طالب أبو ـ المساكين ، وكان ثالث الاخوة من ولد أبي طالب ، أكبر هم طالب ، وبعده عقيل ، و بعده جعفر ، وبعده علي عليه‌السلام وكل واحد منهم أكبر من الآخر بعشر سنين ، وأمهم جميعا فاطمة بنت أسد(٣) ، وهي أول هاشمية ولدت لهاشمي ، وفضلها كثير ، وقربها من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وتعظيمه لها معلوم عند أهل الحديث : قال أبوالفرج : ولجعفر عليه‌السلام فضل(٤) وقد ورد فيه حديث كثير من ذلك أن رسول الله (ص) لما فتح خيبر قدم جعفر بن أبي طالب من الحبشة ، فالتزمه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وجعل يقبل بين عينيه ، ويقول : « ما أدري بأيهما أنا أشد فرحا؟ بقدوم جعفر أم بفتح خيبر ». وعن أبي سعيد الخدري قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : خير الناس حمزة وجعفر وعلي عليهم‌السلام.

قال : وقد روى جعفر بن محمد عن أبيه عليهما‌السلام قال : قال : رسول الله (ص) :

____________________

(١) والاسناد على ما في المصدر : الواقدى حدثنى مالك بن أبى الرجال ، عن عبدالله بن أبى بكر بن حزم ، عن ام جعفر بنت محمد بن جعفر عن جدتهما اسماء بنت عميس.

(٢) هنا في المصدر زيادات اسقطها المصنف اختصارا راجعه.

(٣) في المصدر : بنت اسد بن هاشم بن عبد مناف. (٤) في المصدر : فضل كثير.

٦٣

خلق الناس من أشجار شتى ، وخلقت أنا وجعفر من شجرة واحدة. أو قال : من طينة واحدة.

وبالاسناد قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لجعفر : أشبهت(١) خلقي وخلقي. وقال ابن عبدالبر في الاستيعاب : كانت سن جعفر عليه‌السلام يوم قتل إحدى و أربعين سنة.

وقد روى سعيد بن المسيب أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : مثل لي جعفر وزيد وعبدالله في خيمة من در كل واحد منهم على سرير ، فرأيت زيدا وابن رواحة في أعناقهما صدود ، ورأيت جعفرا مستقيما ليس فيه صدود ، فسألت فقيل لي : إنهما حين غشيهما الموت أعرضا وصدا بوجههما ، وأما جعفر فلم يفعل.

وروى الشعبي قال : سمعت عبدالله بن جعفر يقول : كنت إذا سألت عمي عليا عليه‌السلام شيئا فمنعني أقول له : بحق جعفر فيعطيني.

وروي أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لما أتاه قتل جعفر وزيد بمؤته بكى وقال : أخواي ومونساي ومحدثاي(٢).

١٢ ـ وقال الكازروني بعد إيراد غزوة موتة في حوادث السنة الثامنة : وفي هذه السنة كانت سرية الخبط ، روي عن جابر بن عبدالله قال : بعثنا رسول الله (ص) في ثلاثمائة راكب ، وأميرنا أبوعبيدة بن الجراح في طلب عير قريش ، فأقمنا على الساحل حتى فني زادنا وأكلنا الخبط ، ثم إن البحر ألقى إلينا دابة يقال لها : العنبر فأكلنا منها نصف شهر حتى صلحت أجسامنا ، وأخذ أبوعبيدة ضلعا من أضلاعها فنصبها ، ونظر إلى أطول بعير في الجيش ، وأطول رجل فحمله عليه فجاز تحته ، وقد كان رجل نحر ثلاث جزائر ثم ثلاث جزائر ثم نهاه عنه أبوعبيدة. وكانوا يرونه قيس بن سعد(٣).

أقول : وروى في جامع الاصول بأسانيد عن أسامة بن زيد قال : بعثنا

____________________

(١) في المصدر : أنت اشبهت.

(٢) شرح نهج البلاغه لابن أبى الحديد ٣ : ٤٢ ـ ٤٧.

(٣) المنتقى في مولد المصطفى : الباب الثامن فيما كان سنة ثمان من الهجرة.

٦٤

رسول الله (ص) إلى الحرقات ، فصبحنا القوم فهزمناهم ولحقت أنا ورجل من الانصار رجلا منهم ، فلما غشيناه قال : لا إله إلا الله ، فكف الانصاري وطعنته برمحي حتى قتلته ، فلما قدمنا بلغ النبي (ص) فقال : « يا اسامة أقتلته بعد ما قال : لا إله إلا الله »؟ قلت ، إنما كان متعوذا ، فقال : « أقتلته بعد ما قال لا إله إلا الله؟ » فما زال يكررها حتى تمنيت أني لم أكن أسلمت قبل ذلك اليوم

وفي رواية أخرى قال : بعثنا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله في سرية فصبحنا الحرقات من جهينة فأدركت رجلا فقال : لا إله إلا الله ، فطعنته فوقع في نفسي من ذلك فذكرته للنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله فقال : « أقال : لا إله إلا الله ، وقتلته؟ » قلت : يا رسول الله إنما

قالها خوفا من السلاح؟ قال : « أفلا شققت قلبه حتى تعلم أقالها أم لا؟ » فما زال يكررها حتى تمنيت أني أسلمت يومئذ(١).

أقول : أورد تلك القصة بعد غزوة مؤتة.

بيان : في النهاية : الضارع : النحيف الضاوي الجسم ، يقال ضرع يضرع فهو. ضارع وضرع بالتحريك ، وقال : منأت الاديم : إذا ألقيته في الدباع ، ويقال له مادام في الدباغ : منيئة ، ومنه حديث أسماء بنت عميس وهي تمعس منيئة لها ، وفي القاموس : صد عنه صدودا : أعرض ، وقال : الخبط محركة : ورق ينفض بالمخابط ويجفف ويطحن بدقيق أو غيره ويوخف بالماء فيوجره الابل ، وكل ورق مخبوط والجزائر جمع الجزور وهو البعير.

____________________

(١) جامع الاصول : ليست نسخته موجودة عندى.

٦٥

٢٥

باب

*(غزوة ذات السلاسل)*

الآيات : والعاديات ضبحا * فالموريات قدحا * فالمغيرات صبحا * فأثرن به نقعا * فوسطن به جمعا.(١)

تفسير : قال الطبرسي رحمة الله : قيل : بعث رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله سرية إلى حي من كنانة ، فاستعمل عليهم المنذر بن عمرو الانصاري أحد النقباء فتأخر رجوعهم فقال المنافقون : قتلوا جميعا ، فأخبر الله تعالى عنها بقوله : « والعاديات ضبحا » عن مقاتل ، وقيل : نزلت السورة لما بعث النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله عليا إلى ذات السلاسل ، فأوقع بهم ، وذلك بعد أن بعث إليهم مرارا غيره من الصحابة فرجع كل منهم إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وهو المروي عن أبي عبدالله عليه‌السلام في حديث طويل ، قال : وسميت هذه الغزوة ذات السلاسل لانه أسر منهم وقتل وسبى وشد أساراهم في الحبال مكتفين كأنهم في السلاسل ، ولما نزلت السورة خرج رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله إلى الناس فصلى بهم الغداة ، وقرأ فيها : « والعاديات » فلما فرغ من صلاته قال أصحابه : هذه السورة لم نعرفها ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : نعم إن عليا قد ظفر بأعداء الله ، وبشرني بذلك جبرئيل عليه‌السلام في هذه الليلة ، فقدم علي عليه‌السلام بعد أيام بالاسارى والغنائم « والعاديات ضبحا » قيل : هي الخيل في الغزو تعدو في سبيل الله عن ابن عباس ، وأكثر المفسرين قالوا : أقسم بالخيل العادية لغزو الكفار ، وهي تضبج ضبحا وضبحها : صوت أجوافها إذا عدت ليس بصهيل ولا حمحمة ، ولكنه صوت نفس ، وقيل : هي الابل حين ذهبت إلى غزوة بدر تمد أعناقها في السير فهي تضبج أي تضبع ، (٢) وهي أن يمد ضبعه في السير حتى لا يجد مزيدا ، روي ذلك عن علي عليه‌السلام وابن مسعود(٣) وروي

____________________

(١) العاديات : ١ ـ ٥. (٢) في المصدر : فهى تضبع أى تضبح.

(٣) زاد في المصدر : والسدى.

٦٦

أيضا أنها إبل الحاج تعدو من عرفة إلى المزدلفة ، ومن المزدلفة إلى منى « فالموريات قدحا » هى الخيل توري النار بخوافرها إذا سارت في الحجارة والارض المخصبة و قال مقاتل : يقدحن بحوافرهن النار في الحجارة قال ابن عباس : يريد ضرب الخيل بحوافرها الجبل فأورت منه النار مثل الزناد إذا قدح ، وقال مجاهد : يريد مكر الرجال في الحروب ، تقول العرب إذا أراد الرجل أن يمكر بصاحبه : أما والله لاورين لك بزند وار ولاقد حن لك ، وقيل : هي ألسنة الرجال توري النار من عظيم ما يتكلم(١) به « فالمغيرات صبحا » يريد الخيل تغير بفرسانها على العدو وقت الصبح ، وإنما ذكر الصبح(٢) لانهم كانوا يسيرون إلى العدو ليلا فيأتونهم صبحا ، وقيل : يريد الابل ترفع ركبانها(٣) يوم النحر من جمع إلى منى ، والسنة أن لا ترفع(٤) بركبانها حتى تصبح ، والاغارة : سرعة السير « فأثرن به نقعا » يقال : ثار الغبار أو الدخان وأثرتة أي هيجته ، والهاء في « به » عائد إلى معلوم يعني بالمكان أو بالوادي « فوسطن به جمعا » أي صرن بعدوهن ، أو بذلك المكان وسط جمع العدو ، وقيل : يريد جمع منى(٥).

١ ـ نوادر الراوندي باسناده عن جعفر بن محمد ، عن أبيه عليهما‌السلام قال : إن رسول الله (ص) بعث مع علي عليه‌السلام ثلاثين فرسافي غزوة ذات السلاسل ، وقال : أنلو عليك آية في نفقة الخيل « والذين(٦) ينفقون أموالهم بالليل والنهار سرا و علانية هي النفقة على الخيل سرا وعلانية(٧) ،

٢ ـ فس : « والعاديات ضبحا * فالموريات قدحا * فالمغيرات صبحا » حدثنا جعفر بن أحمد ، عن عبيد بن موسى ، عن الحسن بن علي بن أبي حمزة عن أبيه عن أبي بصير ، عن أبي عبدالله عليه‌السلام في قوله : والعاديات ضبحاً قال : هذه السورة

____________________

(١) في المصدر : ما تتكلم به (٢) في المصدر : وانما ذكر وقت الصبح.

(٣) في المصدر : ان ترفع بركبانها. (٤) في المصدر : ان لا ترتفع.

(٥) مجمع البيان ١٠ : ٥٢٨ و ٥٢٩.

(٦) هكذا في الكتاب والصحيح : ( الذين ) بلاعاطف. راجع سورة البقرة : ٢٧٤.

(٧) نوادر الراوندى : ٣٣ و ٣٤.

٦٧

نزلت في أهل وادي يابس(١) قال : قلت : (٢) : وما كان حالهم وقصتهم؟ قال : إن أهل وادي يابس(٣) اجتمعوا اثنى عشر ألف فارس وتعاقدوا وتواثقوا(٤) أن لا يتخلف رجل عن رجل ، ولا يخذل أحد أحدا ، ولا يفر رجل عن صاحبه حتى يموتوا كلهم على خلق واحد(٥) ويقتلوا محمدا (ص) وعلي بن أبي طالب عليه‌السلام(٦) فنزل جبرئيل عليه‌السلام على محمد (ص) (٧) فأخبره بقصتهم وما تعاقدوا عليه وتوافقوا(٨) وأمره أن يبعث أبابكر إليهم في أربعة آلاف فارس من المهاجرين والانصار ، فصعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله المنبر ، فحمدالله وأثنى عليه ، ثم قال : « يا معشر المهاجرين و الانصار إن جبرئيل أخبرني أن أهل وادي اليابس اثنى عشر ألفا(٩) قد استعدوا وتعاهدوا وتعاقدوا أن لا يغدر رجل بصاحبه(١٠) ولا يفر عنه ولا يخذ له حتى يقتلوني وأخي(١١) علي بن أبي طالب ، وأمرني أن اسير إليهم أبابكر في أربعة آلاف فارس فخذوا(١٢) في أمركم واستعدوا لعدو كم ، وانهضوا إليهم على اسم الله وبركته يوم يوم الاثنين إن شاء الله ، فأخذ المسلمون عدتهم(١٣) وتهيأوا وأمر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أبابكر بأمره ، وكان فيما أمره به أن إذا رآهم(١٤) أن يعرض عليهم الاسلام

____________________

(١ و ٣) اليابس خ ل. أقول : يوجد ذلك في المصدر.

(٢) في تفسير فرات : قيل : يابن رسول الله وما كان حالهم وقصتهم؟.

(٤) وتوافقوا على خ ل. أقول : يوجد ذلك في تفسير القمى. وفي تفسير فرات : تعاهدوا وتعاقدوا على ان لا يتخلف.

(٥) على حلف واحدان يقتلوا خ ل أقول : يوجد ذلك في تفسير القمى الا ان فيه : ويقتلوا.

(٦) رسول الله وعليا خ ل. (٧) رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم خ ل.

(٨) وتواثقوا خ ل أقول : يوجد ذلك في تفسير فرات.

(٩) ألف فارس خ ل أقول : يوجد ذلك في المصدرين.

(١٠) على ان لا يغدر رجل منهم بصاحبه خ ل أقول يوجد ذلك في تفسير القمى.

(١١) في تفسير فرات : او يقتلون اخى على بن ابى طالب. (١٢) فجددوا خ ل.

(١٣) في عدتهم خ ل أقول : يوجد ذلك في تفسير القمى.

(١٤) في تفسير القمى : انه اذا رآهم.

٦٨

فإن تابعوا(١) وإلا واقعهم(٢) فقتل مقاتليهم وسبى ذراريهم واستباح أموالهم و خرب ضياعهم وديارهم فمضى أبوبكر ومن معه من المهاجرين والانصار في أحسن عدة وأحسن هيئة ، يسير بهم سيرا رفيقا حتى انتهوا إلى أهل وادي اليابس ، فلما بلغ القوم نزول القوم عليهم ونزل أبوبكر وأصحابه قريبا منهم خرج إليهم من أهل وادي اليابس مائتا رجل مدججين بالسلاح(٣) فلما صادفوهم قالوا لهم : من أنتم؟ ومن أين أقبلتم؟ وأين تريدون؟ ليخرج إلينا صاحبكم حتى نكلمه ، فخرج إليهم أبوبكر في نفر من أصحابه المسلمين ، فقال لهم : أنا أبوبكر صاحب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، قالوا : ما أقدمك علينا؟ قال : أمرني رسول الله (ص) أن أعرض عليكم الاسلام ، وان تدخلوا(٤) فيما دخل فيه المسلمون ولكم ما لهم وعليكم ما عليهم وإلا فالحرب بيننا وبينكم ، قالوا له : أما واللات والعزى لولا رحم(٥) ماسة وقرابة قربية لقتلناك وجميع أصحابك(٦) قتلة تكون حديثا لمن يكون بعدكم ، فارجع أنت ومن معك وارتجوا(٧) العافية ، فإنا إنما نريد(٨) صاحبكم بعينه وأخاه علي بن ابي طالب ، فقال أبوبكر لاصحابه : يا قوم القوم أكثر منكم أضعافا وأعد منكم(٩) وقد نأت داركم عن إخوانكم من المسلمين ، فارجعوا نعلم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بحال القوم ، فقالوا له جميعا : خالفت يا أبابكر رسول الله وما أمرك به فاتق الله و

____________________

(١) فان بايعوا خ ل. أقول : في تفسير القمى : فان بايعوك والا واقفهم فاقتل مقاتليهم واسب ذراريهم واستبح اموالهم وخرب ضياعهم وديارهم. وفي تفسير فرات : فان تابعوه والا واقعهم فقتل مقاتليهم وسبى ذراريهم واستباح اموالهم واخرب ديارهم.

(٢) واقفهم فيقتل مقاتليهم ويسبى ذراريهم ويستبيح اموالهم ويخرب خ ل.

(٣) في المصدرين : مدججين في السلاح.

(٤) في تفسير القمى : وان تدخلون. وفي تفسير فرات : ان تدخلوا.

(٥) في تفسير فرات : لولا رحم بيننا وبينك وقرابة لقتلناك وجميع اصحابك حتى يكون حديثا لمن يأتى بعدكم : ارجع انت واصحابك ومن معك ، وارغبوا في العافية فانا نريد صاحبكم بعينه واخاه على بن ابى طالب.

(٦) من معك خ ل. أقول يوجد ذلك في تفسير القمى.

(٧) واربحوا خ ل. أقول يوجد ذلك في تفسير القمى. (٨) فانما انا نريد خ ل.

(٩) في تفسير فرات : اكثر منا اضعافا وأعد منكم عدة.

٦٩

واقع القوم ، ولا تخالف قول رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فقال : إني أعلم مالا تعلمون الشاهد(١) يرى ما لايرى الغائب ، فانصرف وانصرف الناس أرجمعون ، فأخبر النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله بمقالة القوم له وما رد عليهم أبوبكر(٢) فقال : صلى‌الله‌عليه‌وآله : يابابكر خالفت أمري(٣) ولم تفعل ما أمرتك به ، وكنت لي والله عاصيا فيما أمرتك ، فقام النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وصعد المنبر(٤) فحمدالله وأثنى عليه ، ثم قال : (٥) » يا معشر المسلمين إنى أمرت أبابكر أن يسير إلى أهل وادي اليابس ، وأن يعرض عليهم الاسلام ، ويدعوهم إلى الله فإن أجابوا(٦) وإلا واقعهم ، فإنه(٧) سار إليهم وخرج منهم إليه مائتا رجل فإذا سمع(٨) كلامهم وما استقبلوه به انتفخ صدره(٩) ودخله الرعب منهم ، وترك قولي ولم يطع أمري ، وإن جبرئيل عليه‌السلام أمرني عن الله أن أبعث إليهم عمر مكانه في أصحابه في أربعة آلاف فارس ، فسر يا عمر على اسم الله ولا تعمل كما(١٠) عمل أبوبكر أخوك ، فإنه قد عصى الله وعصاني « وأمره بما أمر به أبابكر ، فخرج عمر والمهاجرون(١١) والانصار الذين كانوا مع أبي بكر يقتصد بهم في سيرهم(١٢) حتى شارف القوم ، وكان قريبا منهم حيث يراهم ويرونه ، وخرج(١٣) إليهم مائتا رجل فقالوا له ولاصحابه مثل مقالتهم لابي بكر ، فانصرف وانصرف الناس معه ، وكاد

____________________

(١) في المصدرين : والشاهد.

(٢) في تفسير فرات : فاخبر جبرئيل النبى صلى‌الله‌عليه‌وآله فقال : يا ابابكر خالفت ولم تفعل ما امرتك وكنت لى عاصيا فيما امرتك ، فقام البنى صلى‌الله‌عليه‌وآله فحمدالله.

(٣) قولى خ ل. (٤) حتى صعد خ ل. أقول يوجد ذلك في تفسير القمى.

(٥) في تفسير القمى : فقال.

(٦) فان اجابوه خ ل أقول يوجد ذلك في تفسير القمى ، وفي تفسير فرات : ويدعوهم إلى الله والى. (٧) وانه خ ل. أقول : يوجد ذلك في المصدرين.

(٨) فلما سمع خ ل أقول يوجد ذلك في المصدرين.

(٩) في تفسير فرات : انتفخ سحره : أقول : السحر : الرائة ، اى جبن وان الخوف ملاجوفه فانتفخ سحره. (١٠) في تفسير فرات : ما عمل.

(١١) في تفسير فرات : بالمهاجرين.

(١٢) في مسيرهم خ ل. أقول : يوجد ذلك في تفسير القمى ، وفي تفسير فرات : في مسيره.

(١٣) في تفسير فرات : حتى خرج.

٧٠

أن يطير قلبه مما رأى من عدة القوم وجمعهم ، ورجع يهرب منهم. فنزل جيرئيل عليه‌السلام فأخبر محمدا(١) بما صنع عمر ، وأنه انصرف وانصرف المسلمون معه ، فصعد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله المنبر فحمدالله وأثنى عليه وأخبرهم بما صنع عمر ، وما كان منه ، و أنه قد انصرف وانصرف المسلمون معه(٢) مخالفا لامري ، عاصيا لقولي ، فقدم عليه فأخبره بمقاله(٣) ما أخبره به صاحبه ، فقال له : « يا عمر عصيت الله في عرشه ، و عصيتني وخالفت قولي ، وعملت برأيك ، لاقبح(٤) الله رأيك ، وإن جبرئيل عليه‌السلام قد أمرني أن أبعث علي بن أبي طالب في هؤلاء المسلمين ، فأخبرني(٥) أن الله يفتح عليه وعلى أصحابه « فدعا عليا وأوصاه بما أوصى به أبابكر وعمر وأصحابه الاربعة آلاف ، وأخبره أن الله سيفتح عليه وعلى أصحابه ، فخرج علي ومعه المهاجرون والانصار ، فساربهم سيرا أبى بكر وعمر ، وذلك أنه أعنف بهم في السير حتى خافوا أن ينقطعوا(٦) من التعب ، وتحفى دوابهم ، فقال لهم : لا تخافوا فان رسول الله صلى اله اليه واله قد أمرني بأمر(٧) وأخبر ني أن الله سيفتح علي و عليكم ، فأبشروا فإنكم على خير وإلى خير ، فطابت(٨) نفوسهم وقلوبهم ، و ساروا على ذلك السير التعب(٩) حتى إذا كانوا قريبا منهم حيث يرونه ويراهم ، أمر أصحابه أن ينزلوا ، وسمع أهل وادى اليابس بمقدم علي بن أبيطالب وأصحابه

____________________

(١) رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم خ ل. أقول : يوجد ذلك في تفسير فرات.

(٢) في المصدرين : وانه قد انصرف بالمسلمين معه.

(٣) بمقالته خ ل. اقول : في تفسير القمى : فاخبره بمثل ما اخبره به صاحبه.

(٤) في تفسير القمى : ( ألا قبح الله رأيك ) وفي تفسير فرات : وخالفت امرى وتجليت برأيك ، الا قبح الله رايك.

(٥) واخبرنى خ ل. أقول : يوجد ذلك في تفسير القمى.

(٦) في تفسير فرات : ان يتقطعوا.

(٧) بأمره خ ل. أقول في تفسير فرات : امرنى بأمر وانا منتهى إلى امره واخبرنى.

(٨) في تفسير فرات : ابشروا فانكم عادون إلى خير ، فطابت انفسم وسكنت قلوبم ، فسار.

(٩) في تفسير القمى : ( والتعب ) وفي تفسير فرات : فسار كل ذلك في السير والتعب الشديد حتى باتوا قريبا منهم حيث يراهم ويرونه ، وامر.

٧١

فخرجوا(١) إليه منهم مائتا رجل شاكين بالسلاح(٢) فلما رآهم علي عليه‌السلام خرج إليهم في نفر من أصحابه ، فقالوا لهم : (٣) من أنتم؟ ومن أين أنتم؟ ومن أين أقبلتم؟ (٤) وأين تريدون؟ قال : أنا علي بن أبي طالب ابن عم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وأخوه ورسوله إليكم ، أدعو كم إلى شهادة أن لا إله إلا الله ، وأن محمدا عبده ورسوله(٥) ولكم(٦) ما للمسلمين ، وعليكم ما عليهم(٧) من خير وشر ، فقالوا له : إياك أردنا ، و أنت طلبتنا ، قد سمعنا مقالتك ، فاستعد(٨) للحرب العوان ، واعلم أنا(٩) قاتليك وقاتلي(١٠) أصحابك ، والموعود فيما بيننا وبينك غدا ضحوة ، وقد أعذرنا فيما بيننا وبينك ، فقال لهم علي عليه‌السلام : ويلكم تهد دوني بكثرتكم وجمعكم ، فأنا(١١) أستعين بالله وملائكته والمسلمين عليكم ، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم فانصرفوا إلى مراكزهم(١٢) وانصرف علي عليه‌السلام إلى مركزه(١٣) فلما جنه الليل أمر أصحابه أن يحسنوا إلى دوابهم ، ويقضموا ويسرجوا(١٤) فلما انشق عمود الصبح صلى بالناس بغلس ، ثم غار عليهم بأصحابه ، فلم يعلموا حتى وطئتهم الخيل فما أدرك آخر أصحابه حتى قتل مقاتليهم ، وسبى ذراريهم ، واستباح أموالهم ، و خرب(١٥) ديارهم ، وأقبل بالاسارى(١٦) والاموال معه ونزل(١٧) جبرئيل فأخبر رسول الله (ص) بما فتح الله على علي عليه‌السلام(١٨) وجماعة المسلمين ، فصعد المنبر فحمدالله

____________________

(١) فخرج اليهم خ ل. أقول : يوجد ذلك في تفسير القمى ، وفي تفسير فرات : فخرج منهم اليه.

(٢) في المصدرين : شاكين في السلاح. (٣) له خ ل.

(٤) خلى تفسير القمى من قوله : ( ومن اين انتم )؟ وفي تفسير فرات : ومن اين انتم اقبلتم.

(٥) ورسول الله خ ل. (٦) ولكم ان آمنتم خ ل.

(٧) ما على المسلمين خ ل. (٨) فخذ حذرك واستعد خ ل.

(٩) في تفسير القمى : اننا. (١٠) وقاتلوا خ ل.

(١١) في تفسير فرات : وانا. (١٢) في تفسير القمى : إلى مراكز كم.

(١٣) في تفسير فرات : إلى مركزه وإلى اصحابه.

(١٤) في تفسير القمى : ( ويقضموا ويحسوا ويسرجوا ) وفي تفسير فرات : أمر على أصحابه أن يحسوا دوابهم ويقضمونها ويحبسونها ويسرجونها فلما أسفر عمود الصبح صلى بالناس بغلس فمر عليهم بأصحابه فلم يعلموا حتى توطأهم الخيل.

(١٥) أخرب خ ل. أقول : يوجد ذلك في تفسير فرات.

(١٦) بالاسير خ ل (١٧) فنزل خ ل.

(١٨) في تفسير فرات : على يدى اميرالمؤمنين على بن ابى طالب عليه‌السلام.

٧٢

وأثنى عليه وأخبر الناس بما فتح الله على المسلمين ، وأعلمهم أنه لم يصب منهم إلا رجلان ، ونزل فخرج(١) يستقبل عليا في جميع أهل المدينة من المسلمين حتى لقيه على أميال(٢) من المدينة ، فلما رآه علي مقبلا نزل عن دابته ، ونزل النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله حتى التزمه ، وقبل ما بين عينيه ، فنزل جماعة المسلمين إلى علي عليه‌السلام حيث(٣) نزل رسول الله وأقبل بالغنيمة والاسارى وما رزقهم الله من أهل وادي اليا ثم قال جعفر بن محمد عليهما‌السلام : ما غنم المسلمون مثلها قط إلا أن تكون خيبرا(٤) فإنها مثل خيبر ، فأنزل الله تبارك وتعالى في ذلك اليوم(٥) : « والعاديات ضبحا يعني بالعاديات الخيل تعدو بالرجال ، والضبح ضبحها في أعنتها ولجمها فالموريات قدحا * فالمغيرات صبحا » فقد أخبرك أنها غارت عليهم صبحا ، قلت قوله : « فأثرن به نقعا » قال : يعني الخيل(٦) يأثرن بالوادي نقعا « فوسطن به جمعا « قلت : قوله : « إن الانسان لربه لكنود » قال : لكفور « وإنه على ذلك لشهيد » قال : يعنيهما (٧) جميعا قد شهدا جميعا وادي اليابس ، وكانا لحب الحياة حريصين ، قلت : قوله (٨) « أفلا يعلم إذا بعثر ما في القبور * وحصل ما في الصدور * إن ربهم بهم يومئذ لخبير » قال : نزلت الآيتان فيهما خاصة كانا يضمران ضمير السوء ويعملان به فأخبر الله خبرهما وفعالهما ، فهذه قصة أهل وادي اليابس وتفسير العاديات(٩).

____________________

(١) في تفسير فرات : لم يصب منهم الا رجلا ، فخرج النبى صلى‌الله‌عليه‌وآله يستقبل عليا وجميع.

(٢) على ثلاثة أميال خ ل. أقول يوجد ذلك في تفسير فرات.

(٣) حيث نزل عن دابته وخ ل. اقول : في تفسير القمى : « فجاء جماعة المسلمين إلى على حيث نزل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فأقبل » وفي تفسير فرات : ونزل جماعة المسلمين إلى على حيث نزل النبى صلى‌الله‌عليه‌وآله واقبل.

(٤) من خيبر خ ل. اقول في تفسير القمى : ( الا ان يكون من خيبر ) وفي تفسير فرات : إلى ان يكون خيبر. (٥) هذه السورة خ.

(٦) في تفسير فرات : « فاثرن به نقعا ، بالخيل اثرن » وفي تفسير القمى : قال : الخيل يأثرن. (٧) بعثهما خ ل.

(٨) في تفسير فرات : قد شهدا جمع الوادى اليابس وتمنيا الحياة ( انه لحب الخير لشديد ) يعنى اميرالمؤمنين عليه‌السلام. اقول ضمير التثنية يرجع إلى ابى بكر وعمر.

(٩) إلى هنا انتهى الخبر في تفسير فرات.

٧٣

ثم قال علي بن إبراهيم في قوله : « والعاديات ضبحا » أي عدوا عليهم في الضبح ، ضباح الكلاب : صوتها « فإلموريات قدحا » كانت بلادهم فيها حجارة فإذا وطئها سنابك الخيل كان(١) ينقدح منها النار « فالمغيرات صبحا » أي صبحهم بالغارة « فأثرن به نقعا » قال : ثارث الغبرة من ركض الخيل « فوسطن به جمعا » قال : توسط المشركين بجمعهم « إن الانسان لربه لكنود » أي كفور ، وهم الذين أمروا وأشاروا(٢) على امير المؤمنين عليه‌السلام أن يدع الطريق مما حسدوه(٣) وكان علي عليه‌السلام أخذ(٤) بهم على غير الطريق الذي أخذ فيه أبوبكر وعمر ، فعلموا(٥) أنه يظفر بالقوم ، فقال عمرو بن العاص لابي بكر : إن عليا غلام حدث لا علم له بالطريق ، و هذا طريق مسبع لا نأمن فيه من السباع فمشوا(٦) إليه فقالوا : با أبا الحسن هذا الطريق الذي أخذت فيه طريق مسبع ، فلو رجعت إلى الطريق ، فقال لهم أميرالمؤمنين عليه‌السلام : الزموا رحالكم ، وكفوا عما لا يعنيكم ، واسمعوا وأطيعوا فإني أعلم بما أصنع فسكتوا(٧) « وإنه على ذلك لشهيد » أي على العداوة « وإنه لحب الخير لشديد » يعني حب الحياة حيث خافوا السباع على أنفسهم فقال الله : « أفلا يعلم إذا بعثر ما في القبور * وحصل ما في الصدور » أي يجمع ويظهر « إن ربهم بهم يومئذ لخبير » (٨).

فر : عبدالله بن بحر بن طيفور بإسناده عن جعفر بن محمد عليهما‌السلام مثله(٩) إلى قوله : ثم قال علي بن ابراهيم.

بيان : رجل مدجج ومدجج أي شاك في السلاح ، وحفي من كثرة المشي

____________________

(١) في المصدر : كاد.

(٢) وهما اللذين امراو اشارا خ ل. اقول يوجد ذلك في المصدر.

(٣) هما حسدا خ ل. (٤) في المصدر : قد اخذ.

(٥) فعلما خ ل. أقول : يوجد ذلك في المصدر. (٦) فمشيا اليه وقالا له خ ل.

(٧) فقال لهما اميرالمؤمنين عليه‌السلام : الزما رحالكما وكفا عمالا يعنيكما واسمعا واطيعا فانى اعلم اصنع فسكتا خ ل. أقول يوجد ذلك في المصدر.

(٨) تفسير القمى : ٧٣٣ ـ ٧٣٧.

(٩) تفسير فرات : ٢٢٦ ـ ٢٢٩.

٧٤

أي رقت قدمه أو حافره. والعوان من الحروب : التي قوتل فيها مره ، كأنهم جعلوا الاولى بكرا. وأقضم القوم : امتاروا شيئا في القحط ، وفي بعض لغة الفرس : القضم : خوردن اسب جورا(١)

قوله عليه‌السلام : يعنيهما ، أي مصداق الانسان في هذه الآية أبوبكر وعمر. قال البيضاوي : « لكنود » : لكفور ، من كند النعمة كنودا ، أو لعاص بلغة كندة ، أو لبخيل بلغة بني مالك وهو جواب القسم. « وإنه على ذلك » وإن الانسان على كنوده « لشهيد » يشهد على نفسه لظهوره أثره عليه ، أو أن الله على كنوده لشهيد فيكون وعيدا « وإنه لحب الخير » المال « لشديد » لبخيل ، أو لقوي مبالغ فيه قوله : « بعثر » أي بعث « وحصل » : جمع محصلا في الصحف أو ميز.

٣ ـ ما : قال شيخ الطائفة قرئ(٢) على أبي القاسم بن شبل وأنا أسمع : حدثنا ظفر بن حمدون بن أحمد ، عن إبراهيم بن إسحاق الاحمري ، عن محمد بن ثابت وأبي المغرا العجلي قالا : حدثنا الحلبي قال : سألت أبا عبدالله عليه‌السلام عن قول الله عزوجل : « والعاديات ضبحا » قال : وجه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله عمر بن الخطاب في سرية فرجع منهزما يجبن أصحابه ، ويجبنونه(٣) أصحابه ، فلما انتهى إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله قال لعلي : أنت صاحب القوم ، فتهيأ أنت ومن تريد من فرسان المهاجرين والانصار ، وسر الليل(٤) ولا يفارقك العين ، قال : فانتهى علي إلى ما

____________________

(١) اى اكل الفرس الشعير.

(٢) هكذا في الكتاب ومصدره المطبوع اما في نسختى المصححة على نسخة للمولى خليل القزوينى قدس‌سره : قرء على ابوالقاسم على بن شبل بن أسد الوكيل وانا اسمع في منزله ببغداد في ربض بباب المحول في سنة عشر واربعمائة ، قال ، حدثنا ظفر بن حمدون بن احمد بن شداد البادراى ابومنصور ببادرايا في شهر ربيع الاخر من سنة سبع واربعين وثلاثمائة قال حدثنا ابراهيم بن اسحاق النهاوندى عن ابراهيم الاحمرى اه أقول : الظاهران الاحمرى متجد مع النهاوندى فالصحيح زيادة ( عن ابراهيم ).

(٣) في نسختى من المصدر : ويجبنه اصحابه.

(٤) في المصدر بعد قوله : ( والانصار ) فوجهه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فقال : اكمن النهار وسر الليل.

٧٥

أمره به رسول الله (ص) فسار إليهم ، فلما كان عند وجه الصبح أغار عليهم ، فأنزل الله على نبيه صلى‌الله‌عليه‌وآله « والعاديات ضبحا » إلى آخرها(١).

بيان : لا يفارقك العين ، أي ليكن معك جواسيس ينظرون لئلا يكمن لك العدو ، أو كناية عن ترك النوم ، أو عن ترك الحذر ، والنظر إلى مظان الريبة أو المعنى لا يفارقك عسكرك وكن معهم ، قال الجوهري : جاء فلان في عين ، أي في جماعة.

٤ ـ يج : روي أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله لما بعث سرية ذات السلاسل وعقد الراية وساربها أبوبكر حتى إذا صاربها بقرب المشركين اتصل خبرهم فتحر زوا ولم يصل المسلمون إليهم ، فأخذ الراية عمر وخرج مع السرية فاتصل بهم خبرهم(٢) فتحر زوا ولم يصل المسلمون إليهم ، فأخذ(٣) الراية عمر وبن العاص فخرج في السرية فانهزموا ، فأخذ الراية لعلي وضم إليه أبابكر وعمر وعمرو بن العاص و من كان معه(٤) في تلك السرية ، وكان المشركون قد أقاموا رقباء على جبالهم ينظرون إلى كل عسكر يخرج إليهم من المدينة على الجادة فيأخذون حذرهم و استعدادهم ، فلما خرج علي عليه‌السلام ترك الجادة وأخذ بالسرية في الاودية بين الجبال فلما رأى عمرو بن العاص وقد فعل علي ذلك علم أنه سيظفر بهم ، فحسده فقال لابي بكر وعمر ووجوه السرية : إن عليا رجل غر(٥) لا خبرة له لهذه المسالك ، و نحن أعرف بها منه ، وهذا الطريق الذي توجه فيه كثير السباع ، وسيلقى الناس من معرتها أشد ما يحاذرونه من العدو ، فسألوه أن يرجع عنه إلى الجادة ، فعرفوا أميرالمؤمنين عليه‌السلام ذلك ، قال : من كان طائعا لله ولرسوله منكم فليتبعني ، ومن أراد الخلاف على الله ورسوله فلينصرف عني ، فسكتوا وساروا معه فكان يسيربهم

____________________

(١) امالى ابن الشيخ : ٢٥٩ و ٢٦٠. اقول : ظاهر النسخه التى صححت المصدر عليه ان الكتاب للشيخ نفسه ، وتعبيرى بامالى ابن الشيخ هنا أو في غير ذلك الموضع للوفاق للمشهور.

(٢) في المصدر : فاتصل بهم الخبر. (٣) في المصدر : فعاد فاخذ.

(٤) في المصدر : ومن كان في تلك السرية. (٥) اى شاب لاخبرة له بالحرب أو بغيره.

٧٦

بين الجبال في الليل(١) ويكمن في الاودية بالنهار ، وصارت السباع التي فيها كالسنانير إلى أن كبس(٢) المشركين وهم غارون آمنون وقت الصبح ، فظفر بالرجال والذراري والاموال ، فحاز ذلك كله ، وشد الرجال في الحبال كالسلاسل ، فلذلك سميت غراة ذات السلاسل ، فلما كانت الصبيحة التي أغار فيها أمير المؤمنين عليه‌السلام على العدو ـ ومن المدينة إلى هناك خمس مراحل ـ خرج النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله فصلى(٣) بالناس الفجر ، وقرأ : « والعاديات » في الركعة الاولى ، وقال : « هذه سورة أنزلها الله علي في هذا الوقت يخبرني فيها با غارة علي على العدو ، وجعل حسده لعلي حسدا له(٤) فقال : « إن الانسان لربه لكنود » والكنود : الحسود ، وهو عمرو بن العاص ههنا ، إذا هو كان يحب الخير وهو الحياة حين(٥) أظهر الخوف من السباع ثم هد ده الله(٦).

٥ ـ شا : ثم كان(٧) غزاة السلسلة وذلك أن أعرابيا جاء عند النبي(٨) فجثا بين يديه وقال له : جئتك لانصح لك ، قال : وما نصيحتك؟ قال : قوم من العرب قد اجتمعوا بوادي الرمل وعملوا على أن يبيتوك بالمدينه ، ووصفهم له ، فأمر النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله أن ينادي بالصلاة جامعة ، فاجتمع المسلمون وصعد المنبر فحمد الله و أثنى عليه ، ثم قال : « أيها الناس إن هذا عدو الله وعدوكم قد عمل على أن يبيتكم فمن له(٩) » فقام جماعة من أهل الصفة فقالوا : نحن نخرج إليهم(١٠) فول علينا من شئت ، فأقرع بينهم فخرجت القرعة علي ثمانين رجلا منهم ومن غيرهم ، فاستدعى أبابكر فقال له : خذ اللواء وامض إلى بني سليم ، فإنهم قريب من الحرة ، فمضى

____________________

(١) باليل خ ل. أقول : يوجد ذلك في المصدر.

(٢) في المصدر : وسار إلى ان كبس. (٣) وصلى خ ل :

(٤) في المصدر : فجعل الله حسد عمرو بن العاص لعلى عليه‌السلام حسدالله.

(٥) حتى أظهر خ ل. (٦) الخرائج والجرائح : ١٨٨.

(٧) ثم كانت خ ل. أقول يوجد ذلك في المصدر.

(٨) إلى النبى صلى‌الله‌عليه‌وآله خ ل أقول : يوجد ذلك في المصدر.

(٩) فمن لهم خ ل أقول : يوجد ذلك في المصدر.

(١٠) في المصدر : نحن نخرج اليهم يا رسول الله.

٧٧

ومعه القوم حتى قارب أرضهم ، وكانت كثيرة الحجارة والشجر وهم ببطن الوادي والمنحدر إليه صعب ، فلما صار أبوبكر إلى الوادي وأراد النحدار خرجوا إليه فهمزموه وقتلوا من المسلمين جمعا كثيرا ، فانهزم أبوبكر من القوم ، فلما ورد(١) على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله عقد لعمر بن الخطاب وبعثه إليهم فكمنوا له تحت الحجارة و الشجر ، فلما ذهب ليهبط خرجوا إليه فهزموه ، فساء رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ذلك ، فقال له عمرو بن العاص : ابعثني يا رسول الله إليهم ، فإن الحرب خدعة ، فلعلى(٢) أخدعهم فأنفذه مع جماعة ووصاه ، فلما صار إلى الوادي خرجوا إليه فهزموه وقتلوا من أصحابه جماعة ومكث رسول الله (ص) أياما يدعو عليهم ، ثم دعا أميرالمؤمنين عليه‌السلام(٣) فعقد له ، ثم قال : « أرسلته كرارا غير فرار » ثم رفع يديه إلى السماء وقال : « الهم إن كنت تعلم أني رسولك فاحفظني فيه ، وافعل به وافعل » فدعا له ما شاء الله ، وخرج علي بن أبي طالب عليه‌السلام ، وخرج رسول الله (ص) لتشييعه وبلغ معه إلى مسجد الاحزاب ، وعلي على فرس أشقر مهلوب ، عليه بردان يمانيان وفي يده قناة خطية ، فشيعه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ودعا له ، وأنفذ معه فيمن أنفذ أبابكر وعمر وعمرو بن العاص ، فساربهم عليه‌السلام نحو العراق متنكبا للطريق حتى ظنوا أنه يريد بهم غير ذلك الواجه ، ثم انحدر(٤) بهم على محجة غامضة ، فساربهم حتى استقبل الوادي من فمه ، وكان يسير الليل ، ويكمن النهار فلما قرب من الوادي أمر أصحابه أن يعكموا الخيل ، ووقفهم مكانا ، وقال : لا تبرحوا ، وانتبذ(٥) أمامهم فأقام ناحية منهم ، فلما رأى عمروبن العاص ما صنع لم يشك أن الفتح يكون له فقال لابي بكر : أنا أعلم بهذه البلاد من علي ، وفيها ما هو أشد علينا من بني سليم ، وهي الضباع والذئاب ، فإن خرجت علينا خفت أن تقطعنا فكلمه يخل عنا نعلو الوادي ، قال : فانطلق أبوبكر فكلمه(٦) فأطال فلم يجبه أميرالمؤمنين عليه‌السلام

____________________

(١) في المصدر : فلما قدموا على النبى صلى‌الله‌عليه‌وآله عقده.

(٢) ولعلى خ ل. (٣) على بن ابى طالب خ ل.

(٤) ثم اخذ لهم خ ل. أقول : في المصدر : ثم اخذ بهم.

(٥) وابتدر خ ل. (٦) وكلمه خ ل.

٧٨

حرفا واحدا ، فرجع إليهم فقال : لا والله ما أجابني حرفا واحدا ، فقال عمرو بن العاص لعمر بن الخطاب : أنت أقوى عليه ، فانطلق عمر فخاطبه فصنع به مثل ما. صنع بأبي بكر ، فرجع إليهم فأخبرهم أنه لم يجبه ، فقال عمرو بن العاص : إنه لا ينبغي لنا أن نضيع أنفسنا ، انطلقوا بنا نعلوا الوادي ، فقال له المسلمون ، والله(١) ما نفعل ، أمرنا رسول الله أن نسمع لعلي ونطيع ، فنترك أمره ونطيع لك ونسمع؟ فلم يزالوا كذلك حتى أحس أميرالمومنين عليه‌السلام بالفجر ، فكبس القوم وهم غارون(٢) فأمكنه الله تعالى منهم ، فنزلت على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله « والعاديات ضبحا » إلى اخرها ، فبشر النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله أصحابه بالفتح ، وأمرهم أن يستقبلوا أميرالمؤمنين عليه‌السلام ، فاستقبلوه والنبي (ص) يقدمهم ، فقاموا له صفين ، فلما بصر بالنبي (ص) ترجل عن فرسه(٣) فقال له النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : « اركب فإن الله ورسوله عنك راضيان » فبكى أميرالمؤمنين عليه‌السلام فرحا ، فقال له النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : « يا علي لولا أنني أشفق أن تقول فيك طوائف من أمتي ما قالت النصارى في المسيح عيسى بن مريم لقلت فيك اليوم مقالا لا تمر بملا من الناس إلا أخذوا التراب من تحت قد ميك ».

وكان الفتح في هذه الغزاة لاميرالمؤمنين خاصة بعد أن كان لعيره فيها من الافساد(٤) ما كان ، واختص عليه‌السلام من مديح النبي (ص) فيها بفضائل لم يحصل منها شئ لغيره ، وبان له من المنقبة فيها مالم يشر كه فيه(٥) سواه(٦).

بيان : المهلبة : ما غلظ من شعر الذنب ، وهلبت الفرس : نتفت هلبه فهو مهلوب ، ذكره الجوهري ، وقال : الخط : موضع باليمامة ، تنسب إليه الرماح الخطية ، لانها تحمل من بلاد الهند فتقوم به ، ويقال : عكمت المتاع ، أي شددته والمراد هنا شد أفواه الدواب لترك صهيلها. قوله : فكبس القوم ، أي هجم عليهم.

____________________

(١) لا والله خ ل. (٢) أى غافلون ،

(٣) في المصدر : ترجل له من فرسه

(٤) في المصدر : بعد ان كان من غيره فيها من الفساد ما كان.

(٥) من سواه خ ل (٦) ارشاد المفيد : ٨٤ ـ ٨٦.

٧٩

٦ ـ أقول : ذكر المفيد ـ رحمه‌الله ـ هذه الغروة على هذا الوجه بعد غزوة تبوك وذكرها على وجه آخر على مافي بغض النسخ القديمة بعد غزوة بني قريظة وقبل غزوة بني المصطلق : قال : وقد كان من أمير المؤمنين عليه‌السلام في غزوة وادي الرمل ـ ويقال : إنها كانت تسمى بغزوة السلسلة(١) ـ ما حفظه العلماء ، ودونه الفقهاء ، ونقله أصحاب الآثار ، ورواه نقلة الاخبار مما ينضاف إلى مناقبه عليه‌السلام في الغزوات ، ويماثل فضائله في الجهاد ، وما توحد به في معناه من كافة العباد ،. ذلك أن أصحاب السير ذكروا أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله كان ذات يوم جالسا إذا جاء أعرابي فجثا بين يديه ، ثم قال : إني جئت(٢) لانصحك ، قال : « وما نصيحتك؟ » قال : قوم من العرب قد اعلموا على أن يبيتوك بالمدينة ، ووصفهم له قال فأمر أميرالمؤمنين عليه‌السلام أن ينادي بالصلاة جامعة ، فاجتمع المسلمون فصعد المنبر فحمدالله وأثنى عليه ثم قال : « أيها الناس إن هذا عدوالله وعدو كم قد أقبل عليكم(٣) يزعم أنه يبينكم بالمدينة ، فمن للوادي؟ » فقام رجل من المهاجرين فقال : أنا له يا رسول الله ، فناوله اللواء وضم إليه سبعمائة رجل ، وقال له : « امض على اسم الله » فمضى فوافى القوم ضحوة فقالوا له : من الرجل؟ قالوا : (٤) رسول لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، إما أن تقولوا : لا إله إلا لله وحده لا شريك له ، وإن محمدا عبده ورسوله ، أو لاضربنكم بالسيف ، قالوا له : ارجع إلى صاحبك فإنا في جمع لا تقوم له ، فرجع الرجل فأخبر رسول الله (ص) بذلك ، فقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : « من للوادي؟ » فقام رجل المهاجرين فقال : أنا له يا رسول الله ، قال : فدفع إليه الراية ومضى ، ثم عاد بمثل(٥) ما عاد به صاحبه الاول ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : « أين علي بن أبي طالب؟ » فقام أمير المؤمنين عليه‌السلام فقال : أناذا يا رسول الله ، قال(٦) :

____________________

(١) ذات السلسلة خ ل. أقول : يوجد ذلك في المصدر.

(٢) جئتك خ ل. (٣) في المصدر : قد اقبل اليكم.

(٤) قال : أنا خ ل. يوجد ذلك في المصدر.

(٥) في المصدر : لمثل. (٦) فقال خ ل.

٨٠